الأضحية.. طقس عيد الأضحى الذي تتشكل في ظله أواصر المحبة




على الرغم من الفرحة الغامرة التي ترافق أيام عيد الأضحى المبارك، إلا أن طقس ذبح الأضحية يحمل جانبا آخر من المشاعر يتأرجح بين الخوف والحزن والرأفة وخوف آخر على مشاعر أطفالنا الصغار إزاء هذا الطقس الديني الذي يتجدد كل عام.
في تعدد الأضاحي التي تعيش في بيتنا، قبل أيام العيد تتنوع الأحاسيس وتتداخل، فليس سهلا أن ترى هذا الكائن المسالم الوديع الذي اعتدت على رؤيته واللعب معه في بعض الأحيان وقد أضحى فريسة الموت يوم العيد، لا سيما إذا كنت طفل صغير لم تعتد بعد هذه التضحية الدينية.
لكن كأم، فقد وجدت في هذا الطقس الديني السنوي فرصة لتعليم أطفالي الصغار معنى التضحية وكيف أن أجدادنا الأوائل قد شرعوا هذا الطقس في سبيل الله، بل وجعلوه تقرب من الله وقربة بينهم وبين الفقراء والمساكين.

الأضحية.. درس في التضحية

ففي هذه الطقوس الدينية هناك الكثير من الدروس المستفادة، على رأسها أهمية التضحية والتخلي عن المُحبب لنا في سبيل إرضاء الله، وهي مفاهيم تكررت في قصص الأنبياء والمرسلين، فها هو سيدنا إبراهيم عليه السلام يضحي بابنه إسماعيل عليه السلام رغبة وقربة إلى الله، وها هي السيدة هاجر أم إسماعيل تضحي بولدها في سبيل الدين وتحمله وتنطلق به في الصحراء القاحلة وراء سراب لا تعرف متى ينتهي.
وهكذا ففي كل مرة أرى فيها أطفالي الصغار يشعرون بالأسى وربما بالخوف على الأضحية، أستغل هذه اللحظة لتعليمهم درس في التضحية، وأخبرهم أنه واجب ديني لكنه في الوقت ذاته Lesson في التنازل وإيثار الآخرين على النفس.

الأضحية.. درس في القربى

أما الدرس الثاني من دروس الأضحية فيتمثل في أهمية صلة الرحم، حيث يجب توزيع جزء من الأضحية على الأهل والأقارب والجيران وحتى الفقراء والمساكين، فعلى الرغم من أن ذبح الأضحية هو شعيرة دينية محضة إلا أنها فرصة لمد جسور التواصل مع من حولنا.
سأظل أذكر المشاعر التي انتابتني كمبتدئة في عالم الأضاحي، فقد كان شعور القلق يرافقني يوم العيد منذ ساعات الصباح الأولى، خوفا من ألا تسير الأمور على ما يرام سواء مع الأضحية أو مع ضيوف العيد الذين يتوافدون على بيتنا لتناول طعام الغداء في أول أيام العيد.
لكن مع مرور الوقت وتكرار تجربة الأضحية عامًا بعد عام، تحولت تجربتي مع الأضحية من تجربة يملؤها الخوف والقلق إلى تجربة ممتعة ينتظرها أطفالي الصغار، وأنا معهم، ويتعاونون معي في تحضير الأضحية وتوزيعها على الأقارب والفقراء والمساكين، وفي كل مرة يزداد تعاونهم معي وإحساسهم بأهمية هذا الطقس الديني كفعل تضامني مع الآخرين.

الأضحية.. تجربة تربوية

وهكذا أصبحت الأضحية تجربة تربوية بالنسبة لي ولأطفالي الصغار، فهم يترقبون هذا اليوم وعلى وجوههم ابتسامة عريضة تبدو فيها علامات السعادة والفرحة، وأنا كما هم أشعر بنفس السعادة والفرح لرؤيتهم وهم يتشاركون معي هذه التجربة وتلك الدروس المستفادة.
وتبقى الأضحية في عيد الأضحى المبارك محطة مهمة على طريق تربية أبنائنا وإكسابهم قيمًا عظيمة مثل التضحية والعطاء وصلة الرحم، ولا شك أننا جميعا نحتاج إلى التضحية وليس فقط في مناسبات معينة وإنما في كل أمور حياتنا، حيث قد نحتاج إلى التضحية ببعض متعنا في سبيل إسعاد الآخرين أو لمساعدتهم، وهذا هو درس الأضحية الأهم.