الاتحاد والعروبة




العروبة، كلمة تعني رابطة الدم وسبب القرابة، كلمة في معناها ترمز إلى الوحدة بين الناس وجمع شملهم، وبالفعل كان للمصطلح صداه منذ زمن العرب القديم وحتى وقتنا هذا، ففي العصر الجاهلي اشتهرت بوادر العروبة بين القبائل العربية، فجعلت لكل قبيلة من القبائل العربية الأخرى ملاذا يسمى الإيلاف، أي التعاهد بالنجدة والحماية عند التعرض للخطر. ومن هنا استمرت مسيرة العروبة إلى أن أصبحت العرب دولة واحدة قوية في العصر الإسلامي.
ولكن هذا المفهوم تعرض لهزة عنيفة، أدت إلى تفرقة العرب وجعلهم مجرد شعوب لا تجمعهم دولة واحدة وأفكار مشتركة، ففي العهد العباسي، كان العرب يعانون من الضعف والوهن الداخلي، الأمر الذي أدى إلى نشوب بعض الحروب مثل حرب الزنج، وأيضا الحروب بين الخلافة العباسية وبين الخلافة الفاطمية، وأيضا الانفصال في الأندلس، مما أدى إلى ضعف الخلافة العباسية وانهيارها بسبب تسلل السلاجقة إلى بغداد في عام 447 هـ، واستولوا على عاصمة الخلافة ونهبوها ودمرو مكتباتها، وبعد ذلك اجتاح المغول بغداد عام 656 هـ. ودمرت ودمرت بغداد تدميرًا كاملاً وقتل الخليفة العباسي وقتل معه الكثير من العلماء والفقهاء، وأحرقوا المكتبات ومزقوا الكتب، فضعفت الدول العربية بعد ذلك وأصبحت هدفًا سهلًا للاستعمار، فاستعمرت الدول الأوروبية العالم العربي، وقسمته إلى دول وشعوب، وأضعفوا الرابطة التي تجمعه.
وبعد كل هذا الدمار والضعف، ظهر الكثير من المفكرين الذين طالبوا بوحدة العرب، مثل ساطع الحصري، وميشيل عفلق، وزكي الأرسوزي، وغيرهم الكثير، الذين نادوا بوحدة العرب، وإزالة الحدود المصطنعة التي وضعتها الدول الاستعمارية، مثل فرنسا وبريطانيا، ونشأت بعدها بعض الوحدات العربية، مثل: مملكة مصر والسودان بين عامي 1958 و1959، والجمهورية العربية المتحدة بين عامي 1958 و1971، واتحاد الجمهوريات العربية بين عامي 1971 و1972، ودول مجلس التعاون الخليجي عام 1981، والجامعة العربية عام 1945، التي تضم جميع الدول العربية تقريبًا.
إن الاتحاد والعروبة حلم لكل عربي، وهو حلم يجب أن نسعى لتحقيقه بكل ما نملك، لأن وحدة العرب ليس مجرد شعار نردده، بل هو حاجة حتمية، فرضتها علينا الظروف التي يعيشها عالمنا اليوم، من تكتلات تقوى وتكبر يومًا بعد يوم، وفي عالم يكون فيه الضعفاء طعامًا للأقوياء، فعلينا أن نكون أقوياء حتى نحافظ على وجودنا، ومن أجل بناء مستقبل أفضل لشعوبنا.