تغوص بنا صفحات التاريخ إلى زمن بعيد، إلى قصة مأساوية مازالت فصولها تهز مشاعرنا الإنسانية حتى يومنا هذا. قصة "الاخدود"، تلك الحفرة النارية التي ابتلعت أجساد المئات من المسيحيين الأبرياء، ومازالت آثارها جاثمة على ضمير البشرية.
في زمن الإمبراطور الروماني ذي نواس، انتشرت المسيحية في اليمن، واستطاع الدعاة المسالمون أن يهدوا الكثير من أهل المدينة إلى دينهم الجديد. وهذا ما أثار غضب ذي نواس، الوثني الذي لم يحتمل أن يتخلى شعبه عن آلهته القديمة.
فأصدر ذي نواس أمره بأن يرتد المسيحيون عن دينهم أو يواجهوا عقابًا شديدًا. إلا أن المسيحيين رفضوا بكل شجاعة، وفضلوا الموت على التخلي عن إيمانهم. فما كان من ذي نواس إلا أن أمر بحفر أخدود عميق، وإشعال النار فيه وإلقاء المسيحيين داخله.
ومع صرخات الألم وصوت النار المشتعلة، هبط آلاف المسيحيين إلى الجحيم الذي أعده لهم ذي نواس. امرأة عجوز وأطفال صغار ورجال ونساء، جميعهم لقوا حتفهم في هذا اليوم المشؤوم، بينما وقف الحاكم الوثني يتفرج على المشهد مزهوًا بنصره.
وهنا يبرز سؤال يعتصر القلب: كيف يمكن لإنسان أن يقترف مثل هذه الجريمة؟مهما كانت الإجابة، فإن جريمة "الاخدود" ستظل وصمة عار على جبين الإنسانية. إنها تذكير صارخ بأن التعصب والتشدد يمكن أن يقودا إلى أبشع الجرائم.
إن ما حدث في "الاخدود" هو عار على كل من شارك فيه، سواء كان الجلاد أو الضحية. إنه عار على كل من يبرر القتل باسم الدين أو العرق أو أي سبب آخر.
لكن من بين ركام المأساة، تظهر حكاية الصمود والشجاعة. حكاية المسيحيين الذين واجهوا الموت بشجاعة، ورفضوا أن يتخلوا عن إيمانهم. إنهم شهداء حقيقيون، يستحقون احترام وتقدير جميع المؤمنين.
لقد مر الكثير من الزمن منذ أحداث "الاخدود"، ولن نستطيع أبدًا أن نمحي آثار تلك الجريمة من ذاكرتنا. لكن بإمكاننا أن نستخلص العبر من هذه الأحداث، وأن نعمل بجد لمنع تكرار مثل هذه المآسي في المستقبل.
فلتكن ذكرى "الاخدود" تذكيرًا لنا جميعًا بأن التعصب والتشدد لا يؤديان إلا إلى الدمار، وأن الحوار والتسامح هما السبيل الوحيد لبناء عالم يسوده السلام والوئام.