الحج، تلك الرحلة المباركة التي يحلم بها كل مسلم ومسلمة، وما إن يحين موعدها حتى تفيض القلوب بشوق ولهفة لا يضاهيها شعور، وتصبح تلك اللحظات خالدة في الذاكرة لا تُمحى أبداً.
كم كنت أتوق إلى هذه الرحلة منذ صغري، وأتمعن في صور الكعبة المشرفة وأنا أتخيل نفسي بين جموع الحجاج، فأعيش أجواء تلك الرحلة حتى قبل أن أعيشها، وأستعد لذلك اليوم الذي سأنطلق فيه إلى بيت الله الحرام، حيث طالما حلمت بزيارته.
وعندما حان موعد سفري، كنت أشعر بسعادة لا توصف، ومزيج من الحماس والرهبة، فالحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو فريضة على كل مسلم قادر مستطيع، فلقد منّ الله عليّ بتلك النعمة العظيمة، فأنا أعيش اللحظات التي طالما انتظرتها.
بدأت رحلتي من مطار مدينتي، وكنت محاطاً بجموع الحجاج الذين يملؤهم الحماس والفرحة، فكل واحد منا يحمل في قلبه شوقاً لا يضاهيه شوق إلى بيت الله الحرام.
عندما حطت بنا الطائرة في مطار جدة، شعرت بتدفق الدموع من عيني، فقد تملكني شعور عجيب لم أشعر به من قبل، فها أنا ذا على أرض المملكة العربية السعودية، وهي الأرض التي تحتضن قبلة المسلمين جميعاً.
انطلقنا في رحلتنا إلى مكة المكرمة، وعندما اقتربنا من الحرم المكي، توقفنا لنلقي نظرة على الكعبة المشرفة، فإذا بها أمامنا بكل وقارها وعظمها، فما كان مني إلا أن هتفت: "يا الله ما أعظمك!".
دخلنا المسجد الحرام، ووقفت أمام الكعبة المشرفة، وسالت دموعي على خديّ من شدة الخشوع والرهبة، فالحلم الذي راودني طويلاً أصبح حقيقة، وأنا الآن بين يدي الله عز وجل.
أديت طواف القدوم، وركعت خلف مقام إبراهيم عليه السلام، ثم توجهت إلى الصفا والمروة لأداء مناسك السعي، فكل خطوة أخطوها كانت تملؤني بشعور من السعادة والغبطة.
في اليوم الثامن من ذي الحجة، انطلقنا إلى منى، وفي اليوم التالي توجهنا إلى عرفات، حيث وقفنا على صعيد عرفات، فشعرت بروحانية عظيمة، وتذكرت قول الله تعالى: "وإذ أخذ ربُّك من بني آدم من ظهورهم ذرِّيتهم وشَهِدهم على أنفسهم ألست بربِّكم؟ قالوا: بلى شهدنا"، وكأني عايشت تلك اللحظات العظيمة، وشعرت بأهمية وحدة المسلمين وتوحدهم.
قضينا يوم التروية في منى، ثم توجهنا إلى مزدلفة لأداء مناسك وقفة عرفات، وفي الصباح الباكر من يوم عيد الأضحى، انطلقنا إلى منى لرمي الجمرات، فكان شعوراً لا يوصف عندما رميت الجمرة الأولى، فشعرت بأنني قد تحررت من ذنوبي، وأصبحت في حالة من النقاء والطهارة.
بعد الانتهاء من رمي الجمرات، توجهنا إلى الحرم المكي لأداء طواف الإفاضة، ومن ثم حلقنا رؤوسنا، فشعرت براحة نفسية كبيرة، وكأنني قد ألقيت بثقل كبير عن كاهلي.
انتهت رحلة الحج، وأنا أشعر بسعادة لا توصف، فقد منّ الله عليّ بتوفيق أداء مناسك الحج على أكمل وجه، وأنا أعود إلى بلدي وأنا أكثر إيماناً وتقوى، وأحمل في قلبي ذكرى أطهر رحلة يمكن أن يعيشها المسلم.
وإلى كل مسلم ومسلمة يحلم بأداء فريضة الحج، أقول: لا تتردد في تحقيق حلمك، فالحج هو تجربة لا يمكن وصفها بالكلمات، وهي منحة عظيمة من الله عز وجل، ومن يوفق إليه فقد فاز فوزاً عظيماً.