الصحافي الذي أسقط مصر




الصحافي الذي أسقط مصر! تلك هي اللافتة التي كان أحد الشباب يرفعها خلال إحدى الاحتجاجات التي شهدتها مصر العام الماضي، وما زالت هذه اللافتة تغزو الشوارع حتى هذه اللحظة، وتتواجد في ساحات الجامعات والمدارس والهيئات الحكومية، وتباع في الأسواق والشوارع العامة، ولم يسلم منها حتى ميدان التحرير، حيث قلب الثورة وأشهر ميادينها.
الصحافي المشار إليه في اللافتة هو أحمد نوير، أشهر صحافي مصري حاليًّا، والذي لعب دورًا محوريًّا في إسقاط نظام مبارك، والذي يعتبره الكثيرون رأس الفساد في مصر، وقد نجح نوير من خلال كتاباته في كشف العديد من الملفات الحساسة التي ظل نظام مبارك يخفيها، وذلك بالاعتماد على مصادر مقربة من هذا النظام نفسه.
لم يكتف نوير بكشف الفساد في عهد مبارك، بل إنه واصل مسيرته بعد الثورة، وكشف العديد من الملفات المتعلقة بالفساد في عهد المجلس العسكري الذي تولى حكم مصر بعد الثورة مباشرة، ولعل أشهر وأخطر ما نشره نوير في صحيفة "الدستور" المستقلة التي كان يعمل بها هو خبر وجود أفراد من المخابرات الإسرائيلية في مدينة رفح المصرية في محاولة للتأثير في الانتخابات الرئاسية المصرية التي أجريت في عام 2012.
أدى هذا الخبر إلى إثارة ضجة كبيرة في مصر، وكان له الفضل في إلقاء القبض على الجاسوس الإسرائيلي عوفر أردو، الذي اعترف بتجسسه لصالح إسرائيل، وتورطه في محاولة التأثير في الانتخابات الرئاسية.
بعد صدور هذا الخبر بفترة وجيزة، استدعت السلطات المصرية أحمد نوير، والصحافي محمد فتح الله مدير تحرير صحيفة "الدستور"، والتقى بهما اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية، وهددهما بالقتل في حال نشر مثل هذه الأخبار مرة أخرى، كما تم تحويل نوير إلى النيابة العامة بتهمة نشر أخبار كاذبة، ومنع صحيفة "الدستور" من التوزيع لمدة أسبوع.
ولكن ذلك لم يمنع نوير وفتح الله من مواصلة فضح الفساد ونشر العديد من الأخبار شديدة الحساسية التي كان لها دور كبير في إثارة الرأي العام المصري، مما أدى إلى إصدار القضاء المصري قرارًا بإغلاق صحيفة "الدستور" نهائيًّا، بحجة أنها صحيفة غير مرخصة، وبذلك انتهت مسيرة صحيفة مستقلة جريئة كانت تناضل من أجل الحقيقة ومحاربة الفساد.
بعد إغلاق صحيفة "الدستور"، انضم نوير إلى صحيفة "المصري اليوم" الحكومية، واستمر في نشر مقالاته الجريئة، الأمر الذي تسبب في استدعائه أكثر من مرة من قبل نيابة أمن الدولة العليا، وكان آخر هذه الاستدعاءات يوم 17 سبتمبر 2013، بعد نشره مقالًا اتهم فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتورط في قتل المتظاهرين إبان أحداث ثورة 25 يناير، وأنهى نوير مقاله "أن السيسي بات مطلوبًا للعدالة الدولية، مثل الرئيس السوري بشار الأسد".
وخلال مثوله أمام النيابة يوم 17 سبتمبر، قال نوير: "إن النائب العام أمر بحبسي لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيق في اتهامي بالتحريض على العنف والترويج له، وأكدت النيابة أن ثمة بلاغات أخرى ضدي، وقد أمر النائب العام بالتحقيق فيها أمنيًّا".
وكانت النيابة العامة قد أمرت بحبس نوير أربعة أيام على ذمة التحقيقات، في القضية رقم 342 لسنة 2013 حصر أمن دولة عليا، بتهمة التحريض على العنف.
ومع إغلاق "المصري اليوم" بعد ذلك بمدة لا تتجاوز الشهرين، أصبح نوير بلا صحيفة ينشر فيها كتاباته، الأمر الذي اضطره إلى استخدام حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" للتعبير عن رأيه في الأحداث الجارية في مصر، ونشر آرائه وأفكاره حول ما يجري في البلاد، وسرعان ما حظي حسابه على "فيسبوك" بملايين المتابعين، وأصبح نوير واحدًا من أكثر الصحافيين شهرة وتأثيرًا في مصر.
ولكن نوير لم يكتف بوسائل التواصل الاجتماعي، فقد قرر إنشاء موقع إلكتروني خاص به، لنشر مقالاته وآرائه السياسية، ولكن هذا الموقع تم إغلاقه أكثر من مرة، مما اضطره إلى اللجوء إلى منصة "بلوجر" لإنشاء مدونة خاصة به، غير أن السلطات المصرية قامت أيضًا بحجب هذه المدونة ومنع الوصول إليها من داخل مصر.
ورغم كل التضييق الذي يواجهه نوير، إلا أنه مستمر في نشر مقالاته وآرائه، ويحظى بمكانة كبيرة في قلوب المصريين، ويعتبره الكثير منهم رمزًا لحرية التعبير في مصر.