الضمان الاجتماعي: شر والأمر أدهى




الضمان الاجتماعي" كلمتان صارتا تثيران الخوف في نفوس الكثير من المصريين، فبعد أن كان الضمان عونا للمواطنين في أوقات الكوارث صار اليوم بعبعا يهدد حرية الناس في اختيار عملهم، وقدرتهم على الحركة والتنقل.

ولعل ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو ما حدث معي أنا شخصيا، عندما قررت أن أستقيل من عملي لأسباب خاصة، وعندما ذهبت إلى جهة عملي لأستلم مستحقاتي تفاجأت بأنهم يخصمون مني مبلغا كبيرا تحت مسمى "اشتراك الضمان الاجتماعي".

حاولت أن أفهم الأمر منهم، فقالوا لي إن هذا الخصم سيؤمن لي معاشا عند التقاعد، ولكنني رفضت ذلك، وقلت لهم إنني لا أريد أي شيء من هذا الضمان، وإنني أستطيع أن أدخر لنفسي من راتبي بغير هذا الخصم الإجباري.

لكن لم يقبلوا اعتراضي، وقالوا لي إن هذا خصم لزام عليّ، وهددوني بأنه إذا لم أدفعه فلن أحصل على مستحقاتي. فما كان مني إلا أن رضخت ودفعت هذا الخصم، رغمًا عني.

والمشكلة لا تقف عند هذا الحد، فما حدث معي هو مجرد جزء صغير من المشكلة الأكبر، وهي أن الضمان الاجتماعي أصبح عبئا ثقيلا على كاهل المواطن المصري، حيث يخصم من راتبه مبالغ كبيرة، ولا يحصل في المقابل على أي خدمات تستحق الذكر.

فالمعاش الذي يدفعه الضمان للمواطنين عند التقاعد زهيد للغاية، لا يكفي لتغطية نفقات الحياة البسيطة. كما أن الخدمات الصحية التي يقدمها الضمان سيئة للغاية، ولا تليق بمستوى المواطن المصري.

ومن ناحية أخرى، فإن الضمان الاجتماعي يحد من حرية المواطنين في اختيار عملهم، حيث يفرض عليهم شروطا تعجيزية للخروج من نظام الضمان، مما يجعلهم أسرى لعملهم الحالي، حتى لو كان غير مناسب لهم أو لا يفي باحتياجاتهم.

وإلا فإنهم سيخسرون كل المبالغ التي دفعوها طيلة سنوات عملهم. ولعل هذا هو السبب الرئيسي وراء عزوف الكثير من الشباب عن العمل في القطاع الخاص، واعتمادهم على الوظائف الحكومية، حيث لا يخضعون لقانون الضمان الاجتماعي.

أما بالنسبة لأصحاب الأعمال، فإن الضمان الاجتماعي أصبح عبئا إضافيا عليهم، حيث يفرض عليهم دفع مبالغ كبيرة، مقابل خدمات لا يحصلون عليها. كما أنه يجبرهم على توظيف عمالة زائدة عن حاجتهم، حتى يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم تجاه الضمان الاجتماعي.

وبالتالي، فإن الضمان الاجتماعي في مصر أصبح شرًا لابد منه، وهو أمر أدهى وأمر مما نتصور. ولا بد من إيجاد حل لهذا المشكلة، إما بإعادة النظر في قانون الضمان الاجتماعي، وإما بإلغائه تماما.

وإلا فإن الضمان الاجتماعي سيستمر في كون عبئا على المواطنين وأصحاب الأعمال، وسيظل شرًا أدهى وأمر مما نتصور.