الطائي.. شاعر الجاهلية الذي أهان نفسه ليحمي قومه




تعددت صور البطولة في العصر الجاهلي، فكانت هناك بطولة السيف والشجاعة، وبطولة الكرم وضيافة الضيف، وبطولة الحكمة والعقل، وبطولة الدفاع عن القبيلة، وغيرها من أنواع البطولة التي حفلت بها أشعار الجاهليين، ومن بين هؤلاء الشعراء، برز الشاعر الطائي الصحابي المعروف بجريرته، والذي عُرف بشدة إخلاصه لقومه، لدرجة أنه أهان نفسه من أجل الدفاع عنهم.

بطل في الجاهلية وصحابي في الإسلام:

جرير بن عطية الطائي، شاعر جاهلي من بني طيء، وهو أحد شعراء المعلقات، وكان من أبطال الجاهلية، كما كان شاعرا مفلقا، وكان يقاتل أعداءه بلسانه وسيفه، حتى إذا أسلم بعد فتح الرسول صلى الله عليه وسلم لمكة في السنة الثامنة للهجرة، وكان وفد قبيلته هم آخر وفد استقبله النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن أشهر القصائد التي قالها الحطيئة قصيدة لامية، يقول فيها:

  • ألا إنما الدنيا متاع غرور* فلا تغرنكم أبداً بطول بقاء
  • أرى الموت يعتام الرجال ذوي الغنى* وليس يبالي بالغني ولا بالفقير
جريرة الطائي:

وقد عُرف الطائي بشدة إخلاصه لقومه، حتى أنه لم يتردد في إهانة نفسه من أجل الدفاع عنهم، وذلك عندما عصت قبيلة طيء الخليفة عثمان بن عفان، فأرسل إليهم جيشًا لقتالهم، وكان الطائي أحد قادة جيش الخليفة، فلما اقترب الجيش من ديار طيء، خرج الطائي لملاقاة قادته، وقال لهم: "أنا جرير بن عطية، شاعر طيء، وقد جئت إليكم لأصالح بينكم وبين قومي، فإن قومي عصوكم بغير أمري، وهم كارهون لذلك، فإن أبيتم إلا قتالهم، فلا تفعلوا حتى تقاتلوني، فأنا أول قتيل فيهم".

فأجابوه إلى ما طلب، وأرسلوا إلى عثمان أن جريرًا قد صالح بينهم وبين قومه، فرضي عثمان بذلك، وعاد الطائي إلى قومه، وقال لهم: "يا بني طيء، لقد جئتكم بما لا يأتيكم أحد من العرب، لقد جئتكم بعفو عثمان عنكم، وبأمانه لكم، وقد صالحته لكم على أن تخرجوا إليه وتبايعوه، فإني قد بذلت له نفسي دونه حتى يفي لكم بما وعدني".

اعتزال الناس:

بعد هذه الواقعة، اعتزل الطائي الناس، وقال: "والله ما كنت لأصاحب قومًا بعد قومي، ولا أضرب بسيف بعد سيفي الذي ضربت به عن قومي".

وفاة الطائي:

توفي الطائي في الشام، سنة ست وخمسين للهجرة، وهو في الثمانين من عمره.

إرث الطائي:

ترك الطائي إرثا شعريًا كبيرًا، تميزت أشعاره بالفخر والحماسة، كما تميزت بصدق المشاعر وقوة العاطفة، وقد ظل شعره يتردد على ألسنة العرب جيلا بعد جيل، وهو يعد أحد أعلام الشعر الجاهلي.

الدروس المستفادة من قصة الطائي:

تقدم لنا قصة الطائي عددًا من الدروس المستفادة، ومن أهم هذه الدروس:

  • الشجاعة الحقيقية ليست في القتال فقط، بل في الدفاع عن الحق، وحماية الأبرياء.
  • التضحية بالنفس من أجل الآخرين هي أسمى أنواع البطولة.
  • الإنسان لا بد أن يكون مخلصًا لقومه، ولكن هذا لا يعني أن يعمى عن أخطائهم، أو أن يتحمل ذنوبهم، بل عليه أن يصحح أخطائهم وينصحهم، حتى لا يضلوا الطريق.
دعوة للتفكير:

هل من الشجاعة أن يهين الإنسان نفسه من أجل الدفاع عن الآخرين؟ أم أن ذلك يعد نوعًا من الجبن؟ وهل من الإنسانية أن ينزل الإنسان في قومه حتى يرضيهم، أم أن عليه أن يقف في وجههم إذا أخطأوا؟

دعوة للعمل:

دعونا نتخذ من الطائي قدوة لنا، في الدفاع عن الحق، وحماية الضعفاء، والتضحية بالنفس من أجل الآخرين، وأن نكون أوفياء لقيمنا ومبادئنا، حتى وإن كان ذلك يعني أن نختلف مع أقرب الناس إلينا.