يُعد العرجاني أحد أشهر علماء النحو والبلاغة في العصر العباسي. اشتهر بإتقانه للغة العربية، وتميز بأسلوبه الساخر اللاذع في نقد النحاة الذين سبقوه.
اسمه الكامل هو أبو بكر محمد بن عبد الله الخوارزمي العرجاني، وُلد في أوائل القرن الرابع الهجري في مدينة خوارزم في أوزبكستان الحالية.
كان العرجاني عالماً موسوعياً لم يقتصر علمه على النحو والبلاغة، بل طال الفقه والأصول والمنطق والفلسفة. كان من أبرز أساتذته "ابن الأنباري" النحوي اللغوي المعروف.
يُحكى أن العرجاني كان يجلس في أحد مجالس العلم، حيث كان يجتمع النحاة من كل حدب وصوب. في هذه المجالس، كان النحاة يتباهون بأفكارهم النحوية، ويستعرضون بلاغتهم، ويحاول كل منهم أن يتفوق على الآخر في حذاقته اللغوية.
كان العرجاني يصغي إليهم بانتباه، ويصمت ابتسامة ساخرة ترتسم على شفتيه. وعندما حان دوره في الحديث، قال: "أيها النحاة، أنا أرى أنكم تتعبون أنفسكم كثيراً في التحليل والتعقيد. فالنحو بسيط للغاية، ولا يحتاج إلى كل هذه الدقائق التي تتفنون فيها.
استهجن النحاة الحاضرون كلام العرجاني، وثاروا غاضبين ضده. لكن العرجاني لم يبالِ بهم، بل قال لهم: "دعونا نختبر هذا الأمر. فلنكتب جميعاً على لوح، ثلاثة أسطر. السطر الأول يحتوي على جملة بسيطة، والسطر الثاني يحتوي على جملة أكثر تعقيداً، أما السطر الثالث فيحتوي على جملة من تأليفكم الخاص.
وافق النحاة على اقتراحه، وكتبوا جملتهم على اللوح. وعندما انتهوا، طلب منهم العرجاني أن يحللوا الجمل الثلاث. فحللوا الجملتين الأولى والثانية بسهولة، لكنهم عجزوا عن تحليل الجملة الثالثة التي ألفوها بأنفسهم.
نظر العرجاني إلى النحاة وقال: "أنظروا يا معشر النحاة، أنتم لا تستطيعون تحليل جملة من تأليفكم الخاص، فكيف تريدون من الناس أن يفهموا ما تكتبون؟!"
صمت النحاة خجلاً، وأدركوا أن العرجاني على حق. ومن يومها، أصبح العرجاني معروفاً بسخريته اللاذعة من النحاة المعقدين الذين يجعلون النحو صعباً على الناس.
ترك العرجاني العديد من المؤلفات في النحو والبلاغة، من أشهرها كتاب "الإيضاح" الذي يعد من أهم كتب النحو العربي. وقد توفي العرجاني في بغداد عام 393 هـ، تاركاً وراءه إرثاً لغوياً وبلاغياً هاماً.
إلى يومنا هذا، يُستشهد بأقوال العرجاني الساخرة في مجالس النحو والبلاغة، ولا تزال أسلوبه الفكاهي في تبسيط اللغة العربية، يُثير الإعجاب والتقدير.