في عالم الفنون المليء بالإبداع والابتكار، تتجلى مسيرة المخرج عصام الشماع كرحلة فنية لا تعرف الكلل، فهي مسيرة امتدت عقودًا من الزمن، وأثرت الساحة الفنية العربية والإقليمية بالعديد من الأعمال الخالدة التي تركت بصمة واضحة في أذهان الجماهير.
ولد عصام الشماع في مدينة دمشق عام 1944، ونشأ في أسرة مغرمة بالفنون والثقافة، فكان متأثرًا منذ طفولته بالمسرح والسينما، وسرعان ما اكتشف شغفه بالإخراج.
بدأ الشماع مشواره الفني في سن مبكرة، إذ أخرج وهو لا يزال طالبًا في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق العديد من المسرحيات الطلابية التي حازت على إعجاب النقاد والجمهور، وفي عام 1970 تخرج الشماع وعمل مخرجًا مساعدًا لمجموعة من المخرجين الكبار، الأمر الذي أثرى خبراته الفنية.
حقق الشماع نجاحًا مبكرًا في مجال الإخراج المسرحي، ففي عام 1972 أخرج مسرحية "سهرة مع أبي خليل القباني" التي لاقت استحسان النقاد والجماهير، وحصلت على جائزة أفضل عرض مسرحي في مهرجان مسرح دمشق الدولي. وتوالت أعمال الشماع المسرحية الناجحة، ومنها مسرحية "الأيام المخمورة" (1974)، و"حمام بغدادي" (1976)، و"الأشباح" (1978)، والتي حصدت العديد من الجوائز.
في الثمانينيات، اتجه الشماع إلى الإخراج التلفزيوني، حيث أخرج مجموعة من المسلسلات التلفزيونية المتميزة التي لاقت نجاحًا واسعًا، ومنها مسلسل "الزعيم" (1980)، و"دمشق يا بسمة الحزن" (1989)، و"القدس عرب وحق" (1992). وتميزت أعمال الشماع التلفزيونية بالواقعية والعمق وصدق التناول، الأمر الذي جعلها محط أنظار النقاد والجمهور.
وفي مجال الإخراج السينمائي، قدم الشماع عددًا من الأفلام المتميزة، ومنها فيلم "رسائل شفهية" (1991) الذي حاز على جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وفيلم "بنات إبليس" (1994) الذي أحدث ضجة كبيرة بسبب جرأته في طرح قضايا اجتماعية حساسة، وفيلم "الانتظار" (2006) الذي ناقش قضايا اللاجئين الفلسطينيين.
لم يكن الإخراج الفني لدى عصام الشماع مجرد مهنة، بل كان رسالة فنية سامية، فكان يسعى من خلال أعماله إلى معالجة قضايا اجتماعية وإنسانية مهمة، والتعبير عن أحلام وآمال وآلام شعبه، كما كان حريصًا على الحفاظ على التراث الفني العربي وتطويره.
حظي عصام الشماع بتقدير وإجلال كبيرين في العالم العربي، فقد منحته جامعة دمشق الدكتوراه الفخرية في الفنون، كما حصل على العديد من الجوائز والتكريمات من مهرجانات سينمائية ومسرحية دولية، ومنها جائزة النيل للإبداع الفني، وجائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي.
يواصل المخرج عصام الشماع مسيرته الفنية دون توقف، رغم تقدمه في السن، فهو يرى أن الفن رسالة لا نهاية لها، وسيظل دائمًا مصدرًا للإلهام والإبداع والجمال.