الموحد




تراثنا العربي الإسلامي ثري بالقصص والروايات التي تناقلتها الأجيال عبر السنين، من بينها قصة تاريخية رائعة حدثت في الأندلس، قصة الفارس المسلم الذي وحد الأندلس، قصة "الموحد".
في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي، ساد الظلم والاضطهاد في الأندلس، واختلفت الممالك الإسلامية على الحكم، مما أدى إلى ضعف الأندلس وتشتت قواها، هذا بالإضافة إلى الضغوط التي كانت تتعرض لها من جانب الممالك المسيحية المجاورة.
وكان من بين الذين شعروا بمرارة هذا الظلم شيخ ورع يُدعى ابن تومرت، عاش في المغرب الأقصى، وقد سمع ابن تومرت عن أحوال الأندلس، قرر أن ينطلق إلى الأندلس لنشر الوعظ والدعوة إلى الجهاد ومحاربة الظلم.
وانطلق ابن تومرت إلى الأندلس ومعه تلاميذه، وكان خطيبًا مفوهًا، سرعان ما اجتذب إليه الكثير من الأتباع، وكون جماعة كبيرة عُرفت باسم "الموحدين".
اتخذ ابن تومرت جبال الريف معقلاً له، وقاد جماعته في حملات عسكرية عديدة، وسرعان ما أصبح قوة لا يستهان بها، وبدأ يفتح مدينة تلو الأخرى حتى سيطر على أغلب أراضي الأندلس.
لم يكن ابن تومرت قائدًا عسكريًا فحسب، بل كان داعية إصلاحيًا، دعا إلى العودة إلى تعاليم الإسلام الصحيحة، وحارب البدع والخرافات، وأقام العدل ونشر الأمن والاستقرار في الأراضي التي سيطر عليها.
وحكم ابن تومرت الموحدين عشرين عامًا، خلالها وحد الأندلس بعد أن كانت ممزقة ومشتتة، وأعاد إليها عزها وقوتها، وجعل منها دولة عظيمة محترمة، وقد اشتهرت دولة الموحدين بالعلم والازدهار والتسامح.
وعندما توفي ابن تومرت، خلفه تلميذه عبد المؤمن بن علي، الذي واصل مسيرة ابن تومرت، وظل يقود الموحدين ويحقق الانتصارات حتى تمكن من توحيد المغرب والأندلس تحت راية واحدة.
ظلت دولة الموحدين قوية ومزدهرة لفترة طويلة، ولكنها بدأت في التراجع في القرن الثالث عشر الميلادي، بسبب عوامل داخلية وخارجية، حتى سقطت في النهاية في منتصف القرن السادس عشر الميلادي.
إلا أن تراث الموحدين لا يزال موجودًا حتى اليوم، وخاصة في الأندلس، حيث تركوا وراءهم آثارًا رائعة من قصور وقلاع ومساجد، مازالت شاهدة على عظمة هذه الدولة.
وتبقى قصة الموحدين قصة ملهمة عن قوة الوحدة والإيمان، وعن كيف يمكن لشخص واحد أن يصنع فرقًا كبيرًا في العالم، وعن كيف أن العودة إلى تعاليم الإسلام الصحيح يمكن أن تؤدي إلى الإصلاح والنهضة.