كان صباحًا مختلفًا تمامًا، اليوم الذي تجرأ فيه هذا النكرة على ارتكاب حماقة اقتحام باحات الأقصى، لم أتخيل في أسوأ كوابيسي أن يأتي يوم يجرؤ فيه سفيه مثله على تدنيس قدسية تلك البقعة المباركة، التي بارك الله حولها، ولم تكن مجرد جنون عابر سرعان ما يزول أثرها، بل بدا واضحًا للجميع أن الأمر أكبر من ذلك بكثير؛ فبن غفير هذا لا يعبر عن نفسه فحسب، بل يعبر عن عصابات كاملة من المهمشين الذين صدف وجودهم في السلطة في هذه اللحظة، لذلك بات الكثيرون يخشون من أن يؤدي تحركه هذا إلى تفجير الأوضاع في كامل المنطقة وليس في فلسطين المحتلة فحسب.
وإلا ما هو تفسير الصمت المريب على تصرفاته من قبل حكومة الاحتلال؟ أليس هذا غريبًا أن يتخذ وزير في حكومة الاحتلال قرارًا من هذا النوع الخطير ولا تتحرك الدولة بكامل أجهزتها لمنعه من ذلك؟ ألا يشير هذا الأمر بوضوح إلى أن هذه الحكومة تُعوِّل كثيرًا على مثل هذه التصرفات لتأجيج نار الفتنة في المنطقة؟
وبغض النظر عن الأهداف السياسية لحكومة الاحتلال، فإن التصرفات الاستفزازية التي قام بها بن غفير يُخشى أن تؤدي إلى مزيد من العنف في الأراضي المحتلة، وهو ما قد يؤدي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة، لا أحد يعرف حجم الدمار الذي يمكن أن تحدثه، كما لا يمكن لأحد أن يتكهن بمآلاتها.
وإذا كانت حكومة الاحتلال تعتقد أنها تستطيع الاستفادة مما حدث لتمرير مخططاتها الاستيطانية، فإنها بذلك تكون مخطئة تمامًا، لأن ما قام به بن غفير هو استفزاز سافر لمشاعر المسلمين في جميع أنحاء العالم، وقد يؤدي إلى ردود فعل عكسية خطيرة، ليس فقط من قبل الفلسطينيين، بل من قبل جميع الدول العربية والإسلامية أيضًا، وبدلًا من أن يحقق بن غفير أهداف حكومته، فإنه قد يكون قد هيأ الظروف لاندلاع حرب إقليمية شاملة.
وإذا كان الدعي بن غفير يعتقد أنه بمهاجمته للمسجد الأقصى فإنه سيحقق النصر لمعسكره، فإنه مخطئ تمامًا، لأنه في الحقيقة إنما يقدم هدية ثمينة للمقاومة الفلسطينية التي أصبحت اليوم أكثر شعبية من أي وقت مضى، وأكثر جاهزية لمواجهة مخططات الاحتلال.
فهل يدرك هذا الدعي أنه في الحقيقة يعمل على تسريع زوال الاحتلال، لقد جاءه النصر من حيث لا يحتسب، ونحن نقول له: شكرًا لك، فلولا حماقتك لما توحد الشعب الفلسطيني إلى هذا الحد، ولما أصبحت قضية القدس على رأس أولويات كل عربي ومسلم، فواصل تصرفاتك العبثية، ففي كل يوم يمر تقربنا من تحقيق النصر.