بوعلام صنصال.. روائي ليس كباقي الروائيين




إنه واحد من أهم روائيي الجزائر والعالم العربي بدون منازع، على الرغم من أنّه لم يبدأ الكتابة إلا في سن الثامنة والأربعين، ومن المفاجئ ألا يكون بوعلام صنصال قد فكّر كثيرًا في الكتابة، بل كانت لديه الكثير من التجارب الأخرى قبل الكتابة، كما أنه عمل في مجالات متنوعة للغاية.
ولد الروائي الجزائري بوعلام صنصال في الخامس عشر من أكتوبر عام 1949م في قرية "ثنية الحد" التابعة لولاية "تسمسيلت" بالغرب الجزائري، وقد كان والده من أصول مغربية يعرف القراءة والكتابة، أمّا والدته فكانت تلقَّت تعليمًا فرنسيًا جيدًا، ولقد كان لبيئة بوعلام صنصال الأولى أكبر الأثر في تكوينه، إذ كان منزله يضم مكتبة فرنسية كبيرة، وبعد أن أتم بوعلام المرحلة الابتدائية انتقل إلى مدينة "الشلف"، وهناك أتم بنجاح دراسته الثانوية، ثمّ التحق بجامعة "تلمسان" ليدرس فيها الفيزياء، ولكنّه لم يكمل دراسته بها، إذ انتقل إلى جامعة وهران ليدرس فيها الرياضيات، إلّا أنّه سرعان ما تركها أيضًا، ثمّ عاد إلى "الشلف" ليلتحق بدار المعلمين، حيث تخرَّج فيها معلِّمًا للغة الفرنسية، وبعد ذلك عمل مدرِّسًا في ثانوية "الشلف" لمدة عامين.
وبعد أن أنهى بوعلام صنصال خدمته العسكرية عاد إلى التدريس، حيث تم تعيينه في ثانوية "عين الدفلى"، وهناك تولّى أيضًا مسؤولية تدريس مادة الاقتصاد، وفي العام 1975م عيّن في وزارة التعليم العالي، ليعمل بها في مجال التكوين المهني، وفي العام 1989م عُيِّن في منصب مدير انتاج في المؤسسة الوطنية للأشغال العامة والبناء، ولكنّه ترك هذا العمل بعد عامين، ليعود مرة أخرى إلى التدريس في ثانوية "الرويبة" بالجزائر العاصمة.

الخطوة الأولى نحو عالم جديد
وفي العام 1999م أصدر بوعلام صنصال روايته الأولى بعنوان "قَسم البرابرة"، وفيها سرد قصة جنديين فرنسيين وقعا في قبضة كتيبة من المجاهدين الجزائريين أثناء حرب التحرير في الخمسينيات من القرن الماضي، حيث يتعرّض "ماكس" و"كابوس" لسلسلة من التعذيب والمهانات والإذلال على يد هؤلاء المجاهدين، وحين ينتهي بهم الأمر إلى الإعدام يطلقون عليهم "قَسم البرابرة"، فالقسم المأخوذ على الجنود الفرنسيين كان أن يخلوا أرض الجزائر من الاستعمار والاحتلال.
وبعد تلك البداية القوية كتب بوعلام صنصال الكثير من المتون السردية التي تنوعت ما بين الرواية والقصة والمسرحية، وقد لاقت رواياته استحسان النقاد والقراء في الجزائر والعالم العربي، ففي روايته الثانية "قرية الآلهة" التي صدرت في العام 2002م يرصد بوعلام صنصال تحولات المجتمع الجزائري بعد حرب الاستقلال، انتقالًا إلى روايته الثالثة "غفوة العادل" الصادرة في عام 2005م، والتي تصور لنا أحداث العشرية السوداء في الجزائر التي شهدت حربًا أهليةً داميةً راح ضحيتها أكثر من مائتي ألف شخص، وفي روايته الرابعة "2084: نهاية العالم" الصادرة في العام 2008م ينقلنا بوعلام صنصال إلى زمن مستقبلي غامض، حيث يدور صراع بين "جماعة حراس النار" التي تمثّل النور والتقدم، و"جماعة أصحاب الظل" التي تعطي ظهورها للنور وتنادي بالعودة إلى الظلام والعصور المظلمة.

من الكتابة إلى جوائز عالمية
حصلت رواية بوعلام صنصال "2084: نهاية العالم" على جائزة "الرواية العربية" في عام 2012م، وهي جائزة تمنحها وزارة الثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة للرواية العربية، ويذكر أن رواية بوعلام صنصال واجهت بعض الانتقادات وقت نشرها، فقد اتّهمه البعض بالإساءة إلى الإسلام والمسلمين، إلا أنّ بوعلام صنصال دافع عن روايته، وقال إنها لا تنتقد الإسلام بقدر ما هي تنتقد استخدام الجماعات المتشددة له لتبرير أعمال العنف.

الجزائر.. بين الحب والكراهية
يعتبر بوعلام صنصال من أشد المنتقدين للحالة السياسية في الجزائر، فقد اتهم الحكومة بالاستبداد والفساد في أكثر من مناسبة، وقد عبر عن ذلك في حواراته الصحفية وفي بعض رواياته، وفي مقابل ذلك ينتقد بوعلام صنصال أيضًا أحزاب المعارضة الجزائرية، ويتهمها بأنها مستعدة للتحالف مع الشيطان للوصول إلى السلطة، وهو ما يراه بوعلام صنصال بمثابة خيانة للشعب الجزائري.

بوعلام صنصال.. الماضي والحاضر والمستقبل
يعتبر بوعلام صنصال واحد من أهم الأصوات الأدبية في الجزائر والعالم العربي، وقد لعب دورًا بارزًا في المشهد الثقافي والسياسي في الجزائر على مدى عقود، وهو لا يزال يكتب وينتقد، وهو يمثل بجرأته وصراحته نموذجًا للكاتب الذي لا يخشى أن يقول كلمة الحق في وجه الظالمين، ولا يخشى أن ينتقد مقدسّات السلطة، وربما يحق لنا أن نصفه بـ"مثقف السلطة المضادة"، فهو دائمًا ضد السلطة السياسية، وسلطة الأحزاب، وسلطة الجماعات المتشددة، وسلطة العادات والتقاليد البالية.