في زحمة هذه الحياة، ووسط ضجيجها وصخبها، أجدني أسترق النظر إلى السماء، أتأمل في النجوم المتلألئة، واستعيد في ذهني صورة امرأة عظيمة، كانت تؤنس لي السهر بحكاياتها الشيقة، تغني لي أجمل الأغاني بصوتها العذب، وتطعم روحي قبل جسدي بدعواتها الصادقة.
جدتي... كانت ولا تزال جنة في الأرض، فيها أجد الراحة والسعادة والطمأنينة، بين أحضانها الدافئة أشعر بالسكينة والسلام، وكأنني طفل صغير يلتف حول والدته.
تذكرت ذات يوم عندما كنت صغيرا، أصبت بالحمى الشديدة، وظللت أهذي وأتخبط لساعات طويلة، هرعت جدتي إلى طبيب القرية، وعادت تحمل في يدها أعشابا طبية، وضعتها في كوب كبير، وقالت لي بصوتها الحنون: "اشرب يا حبيبي، هذا سيشفيك بإذن الله".
شربت الدواء، وبعد دقائق قليلة بدأت الحرارة تخف، ونمت نوما عميقا، وعندما استيقظت صباحا، وجدت جدتي جالسة بجواري، تراقبني بعينيها اللتين لا تعرفان النوم، سألتها: "جدتي، لماذا لم تنامي طوال الليل؟"، فأجابتني بابتسامة: "كنت خائفة عليك يا حبيبي، أردت أن أكون بجانبك حتى تطمئن روحي".
كيف أنسى يديك يا جدتي؟كانت يدا جدتي حنونتين وعطوفتين، تشفيان الجروح والألم بكلمة طيبة وابتسامة دافئة، كانتا تمسكان بيدي كلما خفت أو شعرت بالوحدة، وتساعدانني على الوقوف كلما تعثرت.
أتذكر جيدا عندما كنت أرسم في دفتر الرسم الخاص بي، فكانت يدا جدتي ترشدانني وتوجهانني، وتحولان خطوطي المتعثرة إلى لوحات فنية ساحرة، كانت يداها سحريتين، تخلقان الجمال أينما حلتا.
حكايات جدتي... كنوز لا تقدر بثمنكانت جدتي تحب أن تحكي لي الحكايات، القصص القديمة التي ورثتها عن أجدادها، خيالي كان واسعا، كنت أرى نفسي بطل هذه الحكايات، أقاتل الأشرار، وأنتصر على الأعداء، وأحمي الضعفاء.
كانت دعوات جدتي كلمات سحرية، تغمرني بالسعادة والاطمئنان، كانت تدعو لي بكل خير، وتتمنى لي التوفيق والنجاح في كل خطوة أخطوها في حياتي.
أذكر ذات مرة عندما كنت أستعد لامتحان مهم، كنت أشعر بالقلق والتوتر، فدعوت لي جدتي، وقالت لي بثقة: "توكل على الله يا حبيبي، هو سيسهل لك الأمور ويرزقك بالنجاح".
دخلت الامتحان واثقا من نفسي، وكأن دعوات جدتي قد منحتني قوة خارقة، وأخرجت من الامتحان وأنا مطمئن، والحمد لله نجحت بتفوق.
جدتي... أشتاق إليك كثيرارحلت جدتي عن هذه الدنيا منذ سنوات، رحلت تاركة في قلبي حزنا كبيرا، وشوقا لا يوصف، أشتاق إلى صوتها العذب، وضحكتها التي كانت تضيء المنزل، وحكاياتها الشيقة التي كانت تأخذني إلى عوالم أخرى.
أشتاق إلى يديها الحنونتين، ودعواتها الصادقة، التي كانت نبراسا يضيء لي الطريق، جدتي... جنتي المفقودة، أشتاق إليك كثيرا.
رسالتي إليك يا جدتيرسالتي إليك يا جدتي، أكتبها في هذه السطور، رغم أنك لست هنا لتقرأيها، ولكن أريد أن أخبرك أنني أحبك كثيرا، وأن ذكراك لن تغيب عن بالي أبدا، وأن دعواتك لا تزال ترافقني أينما ذهبت.
أنت يا جدتي، مدرستي الأولى، ومنبع حناني وعطفي، أنت من علمني معنى الحب والتضحية والإخلاص، وأنت من غرس في قلبي قيم الخير والفضيلة.
جدتي... جنتي في الأرض، أشتاق إليك كثيرا.