حريق استوديو الأهرام.. نهاية حقبة إعلامية




في لحظة مفصلية في تاريخ الإعلام المصري والعربي، اندلع حريق مهول في استوديوهات الأهرام، أحد أعرق المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي. لم يكن الحريق مجرد خسارة مادية، بل كان علامة نهاية حقبة إعلامية بأكملها.

تأسس استوديو الأهرام عام 1960، وكان شاهداً على أبرز المحطات والأحداث في تاريخ مصر والعالم العربي. من حرب أكتوبر المجيدة، إلى ثورات الربيع العربي، كان استوديو الأهرام المنصة التي نطق منها كبار المفكرين والسياسيين وأصحاب الرأي. إلا أن النيران التي التهمت أركان الاستوديو، ابتلعت معها جزءًا هائلاً من أرشيف الإعلام المصري.

لم يكن استوديو الأهرام مجرد مبنى، بل كان رمزًا لمرحلة صحفية ذهبية شهدت انتشار الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون. كان الاستوديو موئلاً لأجيال من الصحفيين والإعلاميين الذين حملوا رسالة الإعلام المصري إلى كل بيت عربي.

مع تصاعد ألسنة اللهب، احترق أرشيف يعود إلى عقود من الزمن. وثائق تاريخية، وصور نادرة، وأفلام سينمائية، كلها فقدت إلى الأبد. كان الأرشيف ذاكرة جماعية لشعب بأكمله، روى حكاياته وآلامه وأحلامه عبر السنين.

لم يكن حريق استوديو الأهرام مجرد خسارة مادية، بل خسارة ثقافية وفكرية يصعب تعويضها. لقد كان الاستوديو منصة حوار وتنوير، ناقش فيه المفكرون والسياسيون أبرز القضايا التي شغلت العالم العربي على مدار عقود.

اليوم، تقف استوديوهات الأهرام المتفحمة لتذكرنا بزوال كل شيء مهما كان عظيمًا. حتى أقوى المؤسسات الإعلامية معرضة للخطر، وحتى أعظم الإنجازات الإنسانية يمكن أن تتحول إلى رماد في لحظات. لكن يبقى الأمل في أن تكون هذه الكارثة فرصة لإعادة التفكير في دور الإعلام في العصر الحديث، وللتأكيد على أهمية الحفاظ على تاريخنا وتراثنا الإعلامي.

ففي خضم الصراعات السياسية والتغييرات الاجتماعية العاصفة التي يشهدها العالم العربي، يظل الإعلام بجميع أشكاله ركيزة أساسية لحماية حقوق الإنسان وترسيخ الديمقراطية. وعليه، فإن إعادة بناء استوديو الأهرام لا يعني مجرد إعادة تشييد مبنى، بل إعادة إحياء رمز للحرية والتنوير والعدالة الاجتماعية.

وإذ نتقدم بخالص التعازي للأسرة الإعلامية المصرية والعربية، ندعو إلى تكريم ذكرى استوديو الأهرام بالحفاظ على تراثه الإعلامي وإحياء رسالته من جديد، حتى يبقى منارة للإنسانية في عالم يزداد فيه الظلام والتشويش.