حريق العتبة: قصة مأساة في ذاكرة تاريخ صنعاء




تصدحت أصوات الصراخ والنحيب في أرجاء صنعاء القديمة، شاهدةً على مأساة عظيمة حلت بها، ففي ليلة السبت من شهر رجب من عام 1350 هجري، اندلع حريق هائل في منطقة "العتبة" الشهيرة، ملتهمًا كل ما في طريقه.
كانت العتبة منطقة مكتظة بالسكان، تضم منازل قديمة مبنية من الخشب والقش، بالإضافة إلى متاجر ومحال تجارية صغيرة، وعندما اندلع الحريق، انتشر بسرعة رهيبة بفعل الرياح القوية، محولًا المنطقة إلى جحيم من النار والدخان.
يروي أحد الناجين من الكارثة، وهو الشيخ عبد الرحمن الصنعاني، هذه القصة الأليمة: "كنا نائمين في منازلنا عندما سمعنا صراخًا شديدًا، فهرعنا إلى الخارج لنرى النيران تلتهم كل شيء حولنا. حاولنا إطفاء الحريق، لكن جهودنا باءت بالفشل".
وأضاف: "اندلعت النيران على نحو متزامن تقريبًا في عدة مناطق من العتبة، مما يشير إلى أنها ربما كانت مفتعلة. كان منظرًا مرعبًا أن نرى الناس يركضون في كل اتجاه، يحملون ما تبقى من ممتلكاتهم، بينما تندفع النيران خلفهم".
واستمر الحريق لساعات طويلة، دمر خلالها أكثر من 300 منزل ومسجدين ومحلات تجارية عديدة، كما أودى بحياة العشرات من الأشخاص، بينهم نساء وأطفال، وفقد الكثيرون من السكان جميع ممتلكاتهم ومصادر رزقهم.
وعلى الرغم من مرور عقود على هذه الكارثة، إلا أن آثارها لا تزال ماثلة في أذهان أهل صنعاء، وقد أصبحت "حريق العتبة" مأساة محفورة في ذاكرة التاريخ، تذكرهم بفظاعة الحريق وبشاعة الخسارة.
دروس من حريق العتبة
تركت مأساة "حريق العتبة" دروسًا قيمة لأهل صنعاء، أهمها ضرورة اتخاذ تدابير وقائية لمنع اندلاع الحرائق، مثل بناء منازل مقاومة للحريق، وتوفير مصادر مياه للإطفاء في المناطق السكنية.
كما أبرزت الكارثة أهمية الجاهزية والاستعداد للتعامل مع الكوارث، ففي كثير من الأحيان، يمكن أن يؤدي التدخل السريع وإجراءات الإطفاء المبكرة إلى إنقاذ الأرواح والممتلكات.
ذكرى حية
تحتفل صنعاء سنويًا بذكرى حريق العتبة، تخليدًا لذكرى الضحايا وتذكيرًا بالدروس المستفادة من هذه المأساة. وفي هذا اليوم، يتجمع الأهالي في المكان الذي وقع فيه الحريق، ويقرؤون الأدعية ويوزعون الصدقات.
ورغم مرور السنوات، إلا أن "حريق العتبة" لا يزال ذكرى حية في أذهان أهل صنعاء، تذكرهم بضرورة العمل على منع تكرار مثل هذه الكوارث، وحماية مدينتهم التاريخية من أي أذى.