ختم القران: رحلة روحية ورحلة حياتية




الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم واهتدى.
وما أجمل أن يختم المسلم المصحف الشريف، وأن يجعله عادةً حميدة وذكرى طيبة.
لنرجع بالزمن إلى الوراء، عن جدي رحمه الله، كان يختم القرآن في كل شهر لمرتين أو ثلاثة، وكان ينظر لحفيده الصغير -كاتب هذه السطور- فرحًا غامرًا وهو يختم القرآن، يشجعه ويذكره بأن الإنسان لا بد أن يجعل له وردًا من القرآن يوميًا، وأن يتواصل معه.
وفي مرة من المرات وأنا أقلب صفحات المصحف عند جدي، وكنت لما أزل صغيرًا لا أجيد القراءة، ففتحت المصحف على سورة البقرة وقرأتها من أولها إلى أخره وأنا لا أعرف القراءة، في الحقيقة حتى الآن لا أعلم كيف فعلت ذلك، هل كان توفيقًا من الله، أم أن شيخوخة جدتي التي كانت تغالطها لحظتها أسهمت في ذلك، فجدي رحمه الله كان لا يحفظ من القرآن إلا سورة الفاتحة وآية الكرسي، فكان يطلبني لأقرأ له في الصلاة آية الكرسي وسورة الفاتحة.
وأذكر أنه في مرة من المرات اختفى المصحف من المنزل، ولم نعلم أين هو، فكانت جدتي رحمها الله ووالدي وأنا نبحث عنه، ولم نجده، فجاء جدي من العمل ولم يجده معنا، فحزن كثيرًا وبكى وكان يردد: "أنا لم أختم القرآن منذ شهرين".
يبدو أننا في تلك اللحظات لم نأخذ الأمر بجدية، كنا نبحث ولم نكن نشعر بالانكسار الذي كان يحس به جدي، فحزنه كان بسبب ترك عادته الطيبة في ختم القرآن مرة أو مرتين في الشهر.
ولم يمر أسبوع حتى جاء جاري وأعطانا المصحف، وعندما سألناه من أين أتى به، قال: "وجدته في الطريق"، ففرح جدي كثيرًا وأخذ يقبّل المصحف ويضمه إلى صدره، ويردد: "الحمد لله".
مرت السنون واختلفت الظروف، فأحيانًا أختم القرآن في اليوم مرة، وأحيانًا كل يومين أو ثلاثة، وأحيانًا ينقطع لشهر أو شهرين، إلا أنني أعود إليه وأتمسك به.
وأحيانًا أظل أقرأ في المصحف وأنا أبكي، خاصةً في أواخر سورة البقرة عند الإخبار عن حساب يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون، وحينها أدعو الله أن يحفظني ويحفظ أهلي من شر النار.
والغريب في الأمر أنه حتى إن انقطع عن قراءة القرآن يومًا واحدًا، ينتابني شعور بالخجل من نفسي، وضيق شديد في صدري، فكيف أترك كلام ربي؟ وكيف أتخلى عن أهم أسباب السعادة في الدنيا والآخرة؟
وأذكر أنني في مرة من المرات، نسيت المصحف في مستشفى، وكنت أزور فيها مريضًا، ولما عدت إلى البيت فقدته، فحزنت حزنًا شديدًا، وأخذت أبحث عنه في كل مكان، وبقيت أيامًا أحزن عليه، حتى هدانا الله إليه، وعلمت أنه كان عند صديقي.
إن ختم القرآن الكريم يغير حياة الإنسان، ويشعره بأن الله قريب منه، فيساعدك في أمورك، ويرشدك إلى الصراط المستقيم، وينير قلبك بنور الإيمان، ويفتح لك أبواب الرزق، وييسر لك أمورك، فعليك يا أخي/أختي بالمداومة على ختم القرآن.
فيا له من شعور عظيم، ويا له من رحلة مهمة في حياتنا، عندما نختم القرآن، نشعر بأننا حققنا شيئًا عظيمًا، وأن الله قد تقبل منا هذا العمل، وأننا قد أدينا حق هذه الأمة علينا، وأننا قدوة لمن حولنا.
ختم القرآن عمل عظيم، وثوابه كبير، فاحرص عليه، فهو سبيلك إلى الجنة، ووسيلتك إلى السعادة الدائمة، فلا تحرم نفسك من هذه النعمة العظيمة.
ولنختم بكلمة العلماء: "ما من عبد يقرأ القرآن إلا وحق على الله أن يحفظه ويعيذه ويحفظه ويؤيده".