خطبة الوداع: درة كنز النبوة




بصوت رخيم، صعد رسولنا الكريم منبر مسجد المدينة، وفي قلبه حزن لم يخفه على أصحابه، لقد حانت لحظة الوداع.

"أيها الناس، اسمعوا مقالتي، فإنها آخر عهدي بكم..."

كلمات بسيطة حملت في طياتها معاني جليلة، بدأ معها النبي بالوصية بحقوق الإنسان، ومحاربة الجور والظلم، وحفظ الأمانات.

"يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخر الجاهلية... لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى."

صدحت الكلمات في سماء المدينة، عابرة قرونًا عديدة، لتصل إلى مسامعنا اليوم تحمل رسالة سلام ومساواة.

لم يكتفِ النبي بالوصايا الدينية والاجتماعية، بل حرص أيضًا على تذكير أصحابه بالواجبات الزوجية، وحقوق الجار والأيتام.

"واتقوا الله في النساء، فإنهن عوانٌ عندكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله..."

تلك الكلمات التي حملت معها عبق الرحمة والعدل، ودعت الرجال إلى معاملة نسائهم بالرفق واللين.

ومضى النبي في خطبته، يشدد على أهمية الوحدة ونبذ الخلاف والشقاق، مؤكدًا أن بقاء الأمة في وحدتها هو السبيل الوحيد لانتصارها.

"فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض..."

كلمات نابعة من قلب حزين يخشى على أمته من التفرق والضياع، لقد كان يودعهم وفاءً للشرف النبوي، ولم يكن يودع الدنيا.

"وإن هذا آخر عهدي بكم، لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا..."

كان الوداع ثقيلًا على النبي وعلى أصحابه، فلم يكن وداعًا لفترة قصيرة، بل كان وداعًا للأبد.

"اللهم أشهد، اللهم أشهد، اللهم أشهد..."

لم يكن الوداع مجرد خطبة، بل كان وصية ورسالة وعهدًا، حمل أصحابه أمانته وبلغوا رسالته، لتظل خطبة الوداع منارة يهتدي بها المسلمون عبر العصور.

ففي تلك الكلمات التي نُقشت في قلوب الصحابة، نجد مفاتيح صلاح الأمة ونهضتها، وفيها نجد النور الذي يضيء لنا الطريق في غياهب الدنيا.

فلتكن خطبة الوداع نبراسًا لنا في حياتنا، ندير بها شؤوننا، ونقيم بها مجتمعاتنا، ونسعد بها في الدنيا والآخرة.