زكاتي.. صدقة الفرح والطمأنينة




تُروى قصة عن رجل غنيٍّ بخيلٍ، لا يخرج الزكاة ولا يتصدق، ولكن كان له جار فقيرٌ يعيش على الصدقات، فذات يوم مرّ الفقير بجانب منزل الغنيّ، فرأى زوجته تبكي فأسرع إليها وسألها عن سبب بكائها.
فقالت له: "لقد جهّزت ابنتي للزواج اليوم، ولكن جاءني الخبر الآن أن العريس قد مات في الطريق قبل وصوله إلى القرية".
فقال لها الفقير: "لا تحزني، فإني سأُزوج ابنتك ابني".
ففرحت المرأة بكلام الفقير وذهبت لإخبار زوجها، فاستغرب الرجل الغنيّ من كلام زوجته وظنّ أنها قد جنّت، فذهب إلى الفقير وقال له: "كيف تزوّج ابنتي وابنك فقيرٌ ليس لديه ما يكفي لإعالته؟".
فقال له الفقير: "إن لي حقًا عندك، وقد أقسمت أن تطعم عشرين مسكينًا أو تزوّج ابنتك بابني، فأنا لا أملك ثمن الطعام، ولكني أملك ابني، وقد قبلتك كفيلًا على زواج ابني من ابنتك".
لم يجد الغنيّ حيلةً إلا أن يوافق على طلب الفقير، وتمّ الزواج في ذلك اليوم، وفرح الفقير وأهله بزواج ابنه، وعاشت ابنة الغنيّ حياةً سعيدةً مع زوجها الفقير الذي أحبها وأحسن معاملتها.
وبعد مدةٍ ليست بالطويلة، مات الغنيّ فجأةً، ولم يترك وراءه شيئًا، فعاشت زوجته في فقرٍ شديدٍ، ولم تعد قادرةً على إعالة نفسها، فذهبت إلى الفقير الذي تزوج ابنتها وطلبت منه المساعدة، فلم يتردد الفقير في مساعدة زوجة الغنيّ، وأحسن إليها وأعطاها من ماله ما يكفيها.
ففرحت زوجة الغنيّ بكرم الفقير وشكرته على ما فعله معها، وقالت له: "لقد أنقذتني من حياةٍ صعبةٍ، وأنا أدعو الله لك أن يرزقك من حيث لا تحتسب".
وبعد أيامٍ قليلةٍ، جاءت جاريةٌ من عند الخليفة إلى منزل الفقير، وقالت له: "الخليفة يطلب منك الحضور إليه".
فذهب الفقير إلى الخليفة، فسأله الخليفة عن حاله وعن سبب طلبه له، فقال له الفقير: "يا أمير المؤمنين، ليس لي من الدنيا إلا ما ترى، وأنا أعيش على الصدقات".
فقال له الخليفة: "لقد بلغني أنك تزوجت ابنة الغنيّ الذي مات، وأنه لم يترك وراءه شيئًا، فكيف تنفق عليها؟".
فقال له الفقير: "يا أمير المؤمنين، إني أعتمد على الله في رزقي، وهو الذي يرزق من يشاء بغير حساب".
فأعجب الخليفة بكلام الفقير، وأمر له بمالٍ كثيرٍ، وعينه في وظيفةٍ مرموقةٍ، فعاش الفقير وأهله في رخاءٍ وسعادةٍ، ورزقه الله من حيث لا يحتسب، فصدق الله تعالى إذ يقول: "وما آتيتم من زكاة فإن الله هو المربي لها وأنتم المتقون".
إن الزكاة فرضٌ واجبٌ على كل مسلمٍ مستطيعٍ، وهي حقٌ للفقراء والمساكين، وقد جعل الله فيها أجرًا عظيمًا لمن أخرجها، ففي الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نقصت صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع عبدٌ لله إلا رفعه الله".
فالزكاة ليست مجرد عبادةٍ ماليةٍ، بل هي عبادةٌ تحمل في طياتها معاني التكافل والتراحم بين المسلمين، وهي سببٌ لجلب الرزق والبركة، ودفع البلاء والشرّ، فقد قال الله تعالى: "خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها".
فيا أيها المسلمون، لا تبخلوا بإخراج الزكاة، فإنها سببٌ للفرح والطمأنينة، وهي مفتاحٌ للرزق والبركة، فادفعوها عن طيب خاطرٍ، واعلموا أن الله سيجزي المحسنين خيرًا.