ستوديو الأهرام.. حلم 2000




في ضبابية الماضي، يلوح لي اسمٌ شهيرٌ ما زال يرنُّ في أذنيّ: "ستوديو الأهرام"، أليس كذلك؟ يبدو وكأنَّه اسمٌ عاديٌّ مثل أيِّ اسم، لكنّه يحمل في طياته حكايةً عجيبةً، حكاية حبٍّ وتضحيةٍ وخيانةٍ، حكايةٌ بدأت في مطلع الألفيّة الثانية، ولمّا تنتهِ فصولُها بعد.

كان ذلك في العام 2000، حين كانت القاهرة تنعمُ بوهج الحداثة، وبدأت معالمُ الحياة العصرية تظهرُ جليّةً في أرجائها، في تلك الأيام الفائتة، حيث كانت طموحات الشباب تحلِّقُ نحو عنان السماء، وحبُّ الفنِّ والإبداع ينيرُ عيونَهم، ظهرت فكرةٌ غريبةٌ ومثيرةٌ للجدل: "إنشاءُ استوديوٍ تلفزيونيٍّ خاصٍّ بمجلّة "الأهرام".

في بادئ الأمر، لم تكن الفكرة سوى حلمٍ بعيدٍ المنال، لكنَّ الإصرار والعزيمة اللذين تحلَّى بهما مؤسِّسوها، وهم مجموعةٌ من الصحفيين الشباب المتحمسين، جعلا هذا الحلم يتحوَّلُ إلى حقيقةٍ ملموسة.

أذكرُ جيدًا ذلك اليوم الذي افتُتِح فيه "ستوديو الأهرام" لأولِّ مرَّة، كان يومًا مشهودًا، احتشدت فيه وسائل الإعلام والصحفيون والفنانون والمفكِّرون، وكان الجميع يتوقُ إلى رؤية هذا النجم الجديد الذي سطعَ في سماء الإعلام والثقافة.

في ذلك اليوم، التقيتُ لأولِّ مرَّةٍ بأبطال هذه الحكاية، شبابًا وشاباتٍ ملئين بالحماس والطاقة، يؤمنون بأنَّ الإعلام يمكن أن يكون أداةً للتغيير، منبرًا للحقيقة، نافذةً على العالم.

بخطواتٍ واثقةٍ، بدأ "ستوديو الأهرام" رحلته، واستطاع في وقتٍ وجيزٍ أن يحقِّقَ نجاحًا كبيرًا، وسرعان ما تحوَّل إلى منصَّةٍ مهمَّةٍ للمناقشات الفكرية والثقافية، وأصبحَ وجهةً للمفكِّرين والمثقفين والفنانين.

لكنَّ الأيام الجميلة لا تدومُ إلى الأبد، فمع مرور الوقت، بدأت الخلافات تدبُّ بين مؤسِّسي "ستوديو الأهرام"، وكان الخلافُ حول مستقبل الاستوديو، وطموح كلٍّ منهم إلى السيطرة عليه.

وبين ليلةٍ وضحاها، تحوَّلَ حلمُ ستوديو الأهرام إلى كابوسٍ، انقلبَ الأصدقاءُ أعداءً، وباتَ الاستوديوُ ساحةً للصراعات والمكايدات، ولم يعدْ ذلك المكانُ الآمن الذي يحتضنُ الإبداع والحرية.

في خضم هذه المعارك، خسِر "ستوديو الأهرام" الكثير، فقد خسرَ بريقه ونجوميته، وخسرَ جمهورهُ الواسع، وخسرَ الأمل الذي عُلِّقَ عليه يوم افتتاحه.

وها هو ذا "ستوديو الأهرام" اليوم، مجردُ ذكرى باهتةٍ لزمنٍ جميل، زمن الأمل والإبداع، وما تبقَّى منهُ هو مجرد اسمٍ محفورٍ على لوحةٍ معلَّقةٍ على جدارٍ متهالك، يذكِّرُنا بأنَّ الأحلام مهما كانت عظيمةً، قد تتحطَّم بفعل الغرور والخيانة.

لكن مهما كانت ال، فإنَّ حكاية "ستوديو الأهرام" ستظلُّ درسًا مهمًّا في الحياة، درسًا في أنَّ الغرور والطموح الزائد قد يؤدِّيان إلى ضياع الأحلام، وأنَّ الخيانة قد تُدمِّرُ أسمى القيم.

أيُّها القارئ العزيز، تذكَّر دومًا أنَّ بناء الأحلام يحتاج إلى الكثير من العمل والإصرار، لكنَّ هدمها قد يحدثُ في غمضة عين.