سدنة الكعبة من أعرق وأشرف المهن في التاريخ الإسلامي




إنَّ خدمة الكعبة المشرفة هي أسمى وأشرف خدمة يمكن أن يقدمها المسلم لبيته العتيق، إذ منذ أن شرف الله تعالى قبيلة قريش بحمل مفاتيح الكعبة وجعلهم سدنته، وقد توالى على خدمتها رجال عظماء كان لهم شرف الأمانة والصدق والتقوى، وسوف نتناول في هذا المقال تاريخ هؤلاء السدنة ومسؤولياتهم وفضلهم ومكانتهم الرفيعة بين المسلمين.

ما معنى كلمة "سدنة"؟

السدنة هي جمع "سادن"، والسادن هو القائم على حفظ وخدمة الشيء وصيانته ورعايته، وبالنسبة للكعبة المشرفة، فإن السدنة هم القائمون على خدمة الكعبة وحفظ مفاتيحها وكنسها وإصلاحها وتولية شؤونها المختلفة. وهو منصب شرف عظيم شرفه الله تعالى به قبيلة قريش المكرمة، نظراً لمكانة الكعبة العظيمة في الإسلام، ولذا فإن السدنة يتم اختيارهم بعناية فائقة ليكونوا على قدر المسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقهم.

تاريخ سدنة الكعبة

يرجع تاريخ سدنة الكعبة إلى عهد سيدنا إسماعيل عليه السلام، حيث أوكل إليه الله تعالى مهمة إعمار المسجد الحرام بعد بنائه مع أبيه سيدنا إبراهيم عليهما السلام، ومنذ ذلك الحين توالى أبناء سيدنا إسماعيل على خدمة الكعبة، إلى أن تولتها قبيلة خزاعة بعد بني إسماعيل، ثم انتقلت إلى قبيلة قريش بعد غزو مكة، ومكثت مفاتيح الكعبة لدى قريش إلى أن جاء الإسلام وفتح الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة المكرمة، فأقرّهم عليها مع إزالة الأصنام التي كانوا يضعونها داخل الكعبة وخارجها، ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا بني عبد المطلب؛ خذوا مفاتيح الكعبة، وتولوا سقائة الحاج، فإنها شرف لكم إلى يوم القيامة".
وقد حمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مفتاح الكعبة بنفسه إلى عثمان بن طلحة، وقال له: "يا عثمان، خذها وأنت أمين، والله يبعثك يوم القيامة وأنت تؤديها"، وظلت مفاتيح الكعبة في عهدة قبيلة قريش منذ ذلك الحين، فتولاها من بعد عثمان بن طلحة كل من ولده شيبة بن عثمان، ثمّ الحارث بن شيبة، ثمّ إسماعيل بن الحارث، ثمّ عبد الله بن إسماعيل، ثمّ عبد الرحمن بن عبد الله، ثمّ محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله، ثمّ إسماعيل بن محمد بن عبد الرحمن، ثمّ عبد الله بن إسماعيل بن محمد، ثمّ عثمان بن عبد الله، ثمّ عبد الله بن عثمان، ثمّ محمد بن عبد الله بن عثمان، ثمّ عبد الله بن محمد بن عبد الله.

مسؤوليات سدنة الكعبة

يتولى سدنة الكعبة مسؤوليات عديدة، منها:
  • حفظ مفاتيح الكعبة: حيث توجد نسختان من مفاتيح الكعبة، إحداهما بحوزة شيخ السدنة، والأخرى لدى أمير مكة.
  • فتح الكعبة وإغلاقها: يقوم سدنة الكعبة بفتح الكعبة يوم الدخول، حيث يكون فتحها في ليلة إكمال عشر ذي الحجة، وذلك لغرض تطهيرها وتطييبها وتجهيزها لموسم الحج.
  • تطهير الكعبة وكنسها: حيث يقوم السدنة بتنظيف الكعبة من الداخل والخارج، وذلك مرتين في العام، وتحديدًا في شهر رمضان المبارك، وشهر ذي الحجة قبل موسم الحج.
  • إصلاح الكعبة: إذا حدث أي ضرر في جدار الكعبة أو سقفها أو أرضيتها، يقوم السدنة بإصلاحها باستخدام أفضل المواد المتوفرة.
  • تغيير كسوة الكعبة: حيث يتم تغيير كسوة الكعبة مرة واحدة في كل عام، وذلك في يوم عرفة، ويقوم السدنة برفع الكسوة القديمة ووضع الكسوة الجديدة.
  • الإشراف على دخول الكعبة والخروج منها: حيث لا يسمح لأحد بالدخول إلى الكعبة إلا بإذن خاص من شيخ السدنة، وذلك حفاظًا على حرمة الكعبة ومكانتها.

فضل ومكانة سدنة الكعبة

إن خدمة الكعبة المشرفة شرف عظيم وفخر كبير، وقد حظي السدنة بمكانة رفيعة بين المسلمين، لما يلي:
  • ثقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهم: فقد أقرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على خدمتهم للكعبة، واعترف بفضلهم وأمانتهم.
  • الاستمرار على سنة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: حيث يقوم السدنة بما كان يقوم به سيدنا إسماعيل عليه السلام من إعمار وخدمة للكعبة.
  • خدمة بيت الله الحرام: حيث أن الكعبة هي قبلة المسلمين وأعظم بقاع الأرض، فخدمتها هي أعظم خدمة لله تعالى.
  • الدعاء المستجاب: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء تحت الميزاب مستجاب"، والميزاب هو المكان الذي يوضع به الماء المقدس الذي يصب من سقف الكعبة.
وفي الختام، فإن خدمة الكعبة المشرفة هي أسمى وأشرف خدمة يمكن أن يقوم بها المسلم، وقد شرف الله تعالى سدنة الكعبة بهذا المنصب العظيم، لما لهم من أمانة وصدق وتقوى، نسأل الله تعالى أن يوفقهم إلى خدمة بيته العتيق، وأن يجعل عملهم خالصًا لوجهه الكريم.