صفية بن زقر: رائدة الفن التشكيلي السعودي




بين أروقة مدينة جدة القديمة، في إحدى حاراتها المتواضعة، وُلدت صفية بن زقر، التي أُطلق عليها لقب "سيزان السعودية"، لتلقي بظلالها على عالم الفن التشكيلي، وتترك بصمة خالدة في تاريخ المملكة العربية السعودية.
نشأت صفية في كنف أسرة وثيقة الصلة بالتراث والثقافة، وكان والدها أستاذًا في اللغة العربية، مما غرس فيها حبًا عميقًا للغة والفنون. في سنوات مراهقتها، بدأت تلعب بالريشة والألوان، وكان لكل لوحة رسمتها قصة تحكي عن عادات وتقاليد مجتمعها.
وفي عام 1947، انتقلت صفية إلى القاهرة، عاصمة الفن والثقافة آنذاك، وهناك التحقت بكلية الفنون الجميلة. كانت تلك الخطوة بمثابة نقطة تحول في مسيرتها الفنية؛ ففي القاهرة، تعرفت على أساليب وتقنيات فنية جديدة، وألهمتها أعمال جيل الرواد المصريين.
وعقب تخرجها، عادت صفية إلى جدة لتبدأ مسيرتها في المملكة، حيث كانت من أوائل الفنانات السعوديات اللواتي أقدمن على عرض أعمالهن في المعارض الفنية. واجهت الفنانة الشابة بعض الصعوبات في البداية، ولكن بعزيمتها وإصرارها، استطاعت التغلب عليها، وأصبحت أعمالها تحظى باعتراف وإشادة واسعة النطاق.
تميزت لوحات صفية بن زقر بأسلوبها الواقعي الذي عكس حياة الناس اليومية في المملكة، بالإضافة إلى استخدامها المميز للألوان التي تعكس دفء وتراث المجتمع السعودي. لقد كانت ماهرة في التقاط اللحظات البسيطة وإضفاء لمسة فنية عليها، سواء من خلال رسم الباعة الجائلين في الأسواق أو النساء في حجابهن الملون.
وعلى مدار مسيرتها الممتدة لأكثر من ستة عقود، أقيمت لصفية بن زقر العديد من المعارض الفردية والجماعية في المملكة وخارجها، وحازت على جوائز وتكريمات عديدة. وفي عام 2000، أسست متحفها الخاص "دارة صفية بن زقر" في جدة، والذي أصبح مركزًا ثقافيًا ومساحة فنية لاستضافة المعارض والورش والفعاليات الثقافية.
رحلت صفية بن زقر عن عالمنا في عام 2024، تاركة وراءها إرثًا فنيًا غنيًا، ليس فقط في المملكة العربية السعودية ولكن في عالم الفن التشكيلي بشكل عام. لقد كانت رائدة حقيقية في مجالها، وساهمت بشكل كبير في تطوير المشهد الفني السعودي، وألهمت أجيالاً من الفنانين والفنانات.
وداعًا، صفية بن زقر، سيزان السعودية، التي ستظل أعمالها شاهدة على براعتها الفنية وارتباطها العميق بجذورها وتراثها.