عبد الفتاح البرهان.. قائد عسكري يبحث عن شرعية ديمقراطية!




يقول المثل الشعبي السوداني: "إن كان لك حاجة في الوزير.. طالبه بعشرين لتر"، في إشارة إلى تهافت الناس على الوزراء والمسؤولين لخدمة مصالحهم الشخصية. يبدو أن عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة السودانية، قد أراد تطبيق هذا المثل على نفسه ومسيرته السياسية، فبعد أن قاد انقلابًا عسكريًا على الحكومة المنتخبة وفرض الحكم العسكري في السودان، سعى للحصول على "الشرعية" من خلال اتفاق سياسي مع القوى المدنية.
ولكن هل يمكن أن تكون "الشرعية" مجرد صفقة سياسية يتم التوقيع عليها على قطعة من الورق؟ أم أنها تتطلب أكثر من ذلك بكثير، مثل موافقة الشعب وبناء مؤسسات ديمقراطية قوية؟

ولد عبد الفتاح البرهان في عام 1960 في قرية صغيرة في شمال السودان. التحق بالكلية الحربية وتخرج منها ضابطًا في القوات المسلحة. خدم في عدة مواقع قيادية في الجيش، بما في ذلك قائد قوات الدعم السريع، وهي قوة شبه عسكرية متهمة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في دارفور. في عام 2019، عينه الرئيس المعزول عمر البشير نائبا له.

بعد الإطاحة بالبشير في ثورة شعبية، تولى البرهان قيادة المجلس العسكري الانتقالي الذي حكم السودان لمدة عامين. وخلال هذه الفترة، قاد البرهان حملة قمع عنيفة ضد المحتجين، مما أسفر عن مقتل وإصابة مئات الأشخاص. كما أشرف على اتفاق سياسي مع القوى المدنية، والذي أدى إلى تشكيل حكومة انتقالية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

ولكن هذه الحكومة لم تدم طويلاً. إذ قام البرهان بانقلاب عسكري آخر في أكتوبر 2021، وأقال حمدوك وحل الحكومة الانتقالية. كما اعتقل عددا من الشخصيات السياسية والمدنية. وواجه الانقلاب إدانة واسعة النطاق من المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي.

بعد الانقلاب، سعى البرهان للحصول على شرعية لحكمه العسكري من خلال التوقيع على اتفاق سياسي جديد مع القوى المدنية. وقد تم توقيع الاتفاق في أغسطس 2022، وقد نص على تقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين. وتم تعيين البرهان رئيسا لمجلس السيادة، وهو هيئة عسكرية مدنية مشتركة ستحكم البلاد حتى إجراء انتخابات جديدة.

ولكن هذا الاتفاق لم يحظ بدعم شعبي واسع. إذ يرى العديد من السودانيين أنه بمثابة غطاء لسيطرة العسكريين على السلطة. كما استمرت الاحتجاجات ضد الحكم العسكري، والتي قمعتها السلطات بقوة.

في النهاية، فإن مساعي عبد الفتاح البرهان للحصول على شرعية لحكمه العسكري من خلال اتفاق سياسي مع القوى المدنية هي محاولة لإضفاء الطابع القانوني على انقلاب عسكري غير شرعي. إذ إن الشرعية الحقيقية لا تأتي من الصفقات السياسية، بل من الشعب. والطريقة الوحيدة لبناء مستقبل ديمقراطي في السودان هي من خلال إجراء انتخابات حرة ونزيهة وإقامة مؤسسات ديمقراطية قوية.