أما بعد،
إيه يا أهلي وأصحابي في الله، كل عام وأنتم بخير، جعله الله عيدًا سعيدًا عليكم أجمعين.
بعيد كل البعد عما يثار من لغط حول موضوع العيدية ووجوبها من عدمه، وظروف الناس سواء سعة أو ضيق، وما يُشغل خاطر البعض في موضوع الفلوس والهدايا سيما في مناسبات الأعياد؛ يسعدني أن أسطر لكم -كالعادة- مقالتي، وفي هذه المرة بعنوان عيدية، سائلاً المولى عز وجل أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم.
في إحدى ليالي ما قبل العيد، كنت جالسًا أُسامر وأُحادث صديقي الحميم أحمد، وكان السواد قد عم معظم الأماكن، ولم يتبق إلا بعض المصابيح المضاءة هنا وهناك. وفي أثناء حديثنا، تطرقنا إلى شؤون الأعياد، وما يُبذل فيها من مال كثير، لدى بعض الناس، على أشياء استهلاكية ليس لها قيمة كبيرة؛ بل ولعلها تكون في بعض الأحيان مجرد ترف وبذخ.
فقلت له:
- وما رأيك أن نصرف جزءًا من هذه الأموال في وجوه الخير والإحسان، فنُسعد بها أنفسنا، وندخل البهجة على قلوب الفقراء والمساكين؟
فاستحسن فكرتي وقال:
- صحيح أنه ليس للعيدية أصل في الشريعة، ولكنها أضحت عُرفًا متبعًا منذ زمن بعيد، يُدخل البهجة على قلوب الناس، ويُنشئ المودة بينهم، فإني أرى أن تُحوّل إلى صدقات تُعطى للفقراء والمساكين، فهي بذلك تعم بالمنفعة على الجميع.
وإني لأرى أن ذلك أفضل من مجرد تبادل الهدايا بين الأهل والأقارب والأصدقاء، فإنها -وإن كانت تُدخل السرور على النفوس- إلا أنها قد تُرهق البعض من الناحية المادية، وقد تُجلب الحسرة لبعض الفقراء، لأنهم لا يملكون ما يُهدونه لأبنائهم، فيعيشون حالة من الحزن والحرمان.
فيا إخوتي الكرام:
إني أدعوكم جميعًا أن نُنفق في هذا العيد ما نُريد أن ننفقه، ولكن لننفق في وجوه الخير والإحسان، وعلى الفقراء والمساكين، فإنها أوفر أجراً، وأبقى ذكراً.
وإن كان لا بد من العيدية، فليكن معها الصدقة؛ فإنها تزيد في ثوابها، وتزيد من أجر صاحبها، وتُضاعف من بركة ماله.
فإن الصدقة تُطفئ غضب الرب، وتُدفع البلاء، وتُيسر الرزق، وتُضاعف الحسنات، وتُفرج الهموم.
فبادر يا أخي الكريم إلى إخراج الزكاة والصدقات في هذا العيد، واعلم أنك إن تصدقت بشيء، فإنما تصدقت على نفسك، وإنك إن بخلت، فإنما تبخل على نفسك.
نسأل الله أن يُدخل العيد، عليكم جميعًا، بمزيد من السعادة والهناء، وأن يجعل أعيادكم مُباركة، وذكرياتكم سعيدة، وأيامكم عامرة بالطاعات والقربات.
وكلّ عام وأنتم بخير