كورسك الروسية: قصة غواصة وتراجيدية وطنية




تحت أعماق مياه بحر بارنتس الباردة، ترقد حطام غواصة "كورسك" الروسية، تذكارًا مأساويًا لأكبر كارثة بحرية في تاريخ روسيا الحديث. غرقت "كورسك" في 12 أغسطس 2000، حيث لقيت كامل طاقمها المكون من 118 بحارًا مصرعهم، في حدث هز البلاد وأثار غضبًا دوليًا واسع النطاق.

رحلة محفوفة بالمخاطر

كانت "كورسك" إحدى أكثر الغواصات النووية تقدمًا في الأسطول الروسي. تم بناؤها في أواخر الثمانينيات، صُممت خصيصًا للعمليات السرية في المياه العميقة. في ذلك اليوم المشؤوم في أغسطس، غادرت "كورسك" ميناء مورمانسك للمشاركة في مناورات عسكرية بحرية واسعة النطاق في بحر بارنتس.
كان البحر هائجًا، والأمواج الهائلة تضرب الغواصة بلا رحمة. ومع ذلك، واصل طاقمها المهام المخطط لها، غير مدركين للمأساة التي ستضربهم قريبًا.

صدمة وارتباك

في الساعة 11:28 صباحًا، ضرب انفجاران قويان جسم الغواصة. كان أحد الانفجارات ناتجًا عن عطل في طوربيد، فيما كان الآخر ناتجًا عن انفجار حجرة الذخيرة. في غضون ثوانٍ، غرقت "كورسك" إلى قاع البحر، على عمق أكثر من 100 متر.
انتشر الخبر بسرعة، وأرسلت روسيا على الفور فرق الإنقاذ. ومع ذلك، كانت الظروف صعبة للغاية. تمزقت الغواصة بشدة، وتم حبس الطاقم داخل حجرة مغلقة. واستمر فرق الإنقاذ في العمل لساعات، ولكن دون جدوى، حيث لم يجدوا أي ناجين.

حزن وطني وغضب

أصيب الشعب الروسي بالصدمة والحزن عند سماع نبأ الكارثة. كانت "كورسك" رمزًا للفخر الوطني والتقدم التكنولوجي. وفجأة، أصبحت رمزًا للحسرة الوطنية والضياع.
أثارت المأساة غضبًا كبيرًا أيضًا، حيث ألقى كثيرون باللوم على السلطات الروسية في إهمالهم وإخفائهم للمعلومات. وانتقدت الدول الأجنبية روسيا لعدم قبولها المساعدة الدولية في جهود الإنقاذ.

رواية رسمية مشكوك فيها

حاولت السلطات الروسية في البداية تصوير الكارثة على أنها حادث، لكن التحقيقات اللاحقة كشفت عيوبًا خطيرة في هذه الرواية. وأشارت الأدلة إلى أن أحد طوربيدات "كورسك" كان معيبًا، وأن السلطات كانت على علم بذلك.
كما ظهرت مزاعم بأن الرجال الذين حوصروا في حجرة مغلقة كانوا على قيد الحياة لعدة أيام، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء لإنقاذهم. وغذت هذه المزاعم التكهنات بأن الحكومة أخفت الحقائق حول الكارثة لإنقاذ ماء الوجه.

إرث أليم

مرت أكثر من عقدين على غرق "كورسك"، لكن ذكراها لا تزال تطارد روسيا. وأصبحت الكارثة رمزًا للفساد وسوء الإدارة التي لطخت عهد بوريس يلتسين. كما أثار تساؤلات حول جاهزية البحرية الروسية وقدرتها على حماية أراضيها.
واليوم، تظل حطام "كورسك" بمثابة تذكير دائم بالثمن الباهظ للحرب والتقصير. كما يرمز إلى الشجاعة والتضحية لرجال ونساء البحرية الروسية الذين فقدوا حياتهم في خدمة بلادهم.