لوجستي




منذ أن وطأت قدماي هذا العالم الفسيح وأنا أتابع بحرص شديد نمو القطاع اللوجستي في المنطقة العربية. لقد كنت مولعًا دائمًا بالعمليات المعقدة التي تنقل السلع والبضائع من نقطة إلى أخرى، وكان عليّ أن أتخصص في هذا المجال لأفهم بشكل أفضل الدور الحيوي الذي يلعبه في عالمنا الحديث.
خلال دراستي لعلوم اللوجستيات، كنت مفتونًا بتعاليم أستاذي الدكتور عماد، الذي كان لديه موهبة خارقة في شرح حتى أصعب المفاهيم بطريقة بسيطة وممتعة. أكثر ما أذكر من محاضراته هو تشبيهه لسلسلة التوريد بالجهاز الهضمي لجسم الإنسان. وقال إن السلع والبضائع هي الطعام، وأن شركات اللوجستيات هي الأمعاء والجهاز الهضمي الذي ينقلها ويوزعها في جميع أنحاء الجسم.
ومع كل هذا الوضوح في الشرح، لم يكن بإمكاني مقاومة رسم كاريكاتير مضحك في إحدى المهام المعطاة لنا، والتي تصور الدكتور عماد في معطف أبيض، ويجري جراحة على سلسلة توريد مريضة. ولا يزال هذا الرسم يجعلني أبتسم كلما رأيته، وذكرني برسالتي في هذا المجال.
بعد التخرج، انضممت إلى إحدى شركات الشحن الرائدة في المنطقة، حيث بدأت رحلتي العملية. في البداية، كنت أشعر بالإرهاق بعض الشيء بسبب حجم العمليات والكم الهائل من المعلومات التي يجب استيعابها. لكنني وجدت العزاء في الدعم المستمر الذي قدمه لي فريقي، وخاصة زميلي خالد، الذي كان لديه صبر لا ينضب للإجابة عن أسئلتي غير المتناهية.
مع مرور الوقت، اكتسبتُ ثقة متزايدة في قدراتي. لقد أتيحت لي الفرصة للتعامل مع عملاء من مختلف القطاعات، من شركات الأدوية إلى شركات التجزئة العملاقة. كنت أستمتع بكل تحدٍ جديد، سواء كان ذلك إيجاد طرق أكثر كفاءة لتوصيل البضائع أو إدارة سلسلة التوريد المعقدة.
أحد المشاريع التي لا تزال عالقة في ذهني هو عندما كنا ننقل شحنة حساسة للغاية من المعدات الطبية إلى مستشفى في منطقة نائية. كانت المهمة محفوفة بالصعوبات؛ حيث كان يتعين علينا عبور العديد من نقاط التفتيش والتعامل مع مخاوف جمركية معقدة. لكن فريقنا عمل معًا دون كلل لضمان وصول الشحنة بأمان وبدون تأخير.
في نهاية المطاف، شعرتُ بالفخر والإنجاز عندما علمت أن المعدات أنقذت حياة العديد من المرضى. لقد أدركت في تلك اللحظة أن عملي أكثر من مجرد نقل البضائع؛ بل هو جزء أساسي من جعل العالم مكانًا أفضل.
واليوم، بعد سنوات من العمل في هذا المجال، أظل متحمسًا لمستقبل اللوجستيات. إن التقدم التكنولوجي المستمر، مثل الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات المتقدمة، يغير بسرعة مشهد الصناعة. كما أنني متفائل بأن القطاع سيلعب دورًا متزايد الأهمية في دعم النمو الاقتصادي في المنطقة العربية.
أدعو أي شخص مهتم باللوجستيات إلى عدم التردد في الانضمام إلى هذا المجال المثير. إنه مجال يمهد الطريق لمستقبل مشرق، حيث يعتمد العالم أكثر فأكثر على سلاسل التوريد الفعالة والكفاءة. فإذا كنت من الأشخاص الذين يتمتعون بعقلية تحليلية واهتمام بالعمليات المعقدة، وترغب في إحداث فرق إيجابي في العالم، فإن اللوجستيات هي الخيار الأمثل لك.