في خضم زحام مباريات كأس العالم، تدور رحى مباراة مصيرية تجري أحداثها على أرض ملعب جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن. مباراة تحتل صدارة اهتمامات عشاق كرة القدم في المملكة العربية السعودية والعالم العربي أجمع. إنها مباراة المنتخب السعودي، الفهود الخضر، ضد نظيره البولندي.
يفرحني أن أكون شاهداً على هذا الحدث الرياضي الاستثنائي من على أرض الملعب، أطوف بين الجماهير المتحمسين، أشعر بحماسهم وأتفاعلهم مع أحداث المباراة التي لا تزال في بدايتها. تعلو الهتافات وتتراقص الأعلام، ولا يكاد يصمت صوت الطبول والدفوف. أتعرف بينهم وجوهاً لكل وجه حكاية، فلكل من حضر هذا اليوم قصة فريدة جعلته يشد الرحال إلى هنا.
إلى اليمين مني، يقف شاب في أواخر العشرينات من عمره، يرتدي قميص المنتخب الأخضر، ويضع علم المملكة على كتفيه. كنت قد التقيت به في مباراة سابقة للمنتخب، كان يتحدث حينها عن حلمه في رؤية المنتخب يتأهل إلى كأس العالم من جديد. واليوم، ها هو حلمه قد تحقق، وها هو يرى منتخب بلاده بعينيه يشارك في أكبر محفل كروي في العالم. لم أتمالك نفسي أن أسأله عن شعوره في هذه اللحظة، فخورة بدت عيناه وهو يقول: "هذه فرحة لا توصف، لقد انتظرناها طويلاً".
أنتقل ببصري إلى يساري، فألمح طفلاً لم يتجاوز العاشرة من عمره، يحمل علماً صغيراً للمملكة العربية السعودية، يلوح به في الهواء، ويردد الهتافات بكل قوة، يبدو على ملامحه الحماس والفرحة. اقتربت منه، فنظر إلي بابتسامة عريضة وقال: "أنا سأصبح لاعباً كبيراً في المستقبل وألعب مع المنتخب السعودي". ابتسمت في وجهه وربت على كتفه، فالأمل هو ما يحفزنا على الحياة.
تتوالى المشاهد، وكل مشهد يحكي قصة مختلفة. أفراد وشباب وعائلات من كل فئات المجتمع، وحدتهم كرة القدم، وجمعتهم المحبة للوطن. أرى في وجوههم الأمل والحماس الذي يجعلني أشعر بالفخر والاعتزاز بوطني.
وأخيراً، تنتهي المباراة بفوز المنتخب السعودي بهدفين مقابل هدف واحد، ويعم الملعب حالة من الفرحة والابتهاج، تتعالى الأصوات ويشتد زئير الجماهير، الجميع يحتفل بهذا الفوز التاريخي، الذي سيبقى محفوراً في ذاكرة كل سعودي وعاشق للكرة المستديرة.
ليلة لن أنساها، ليلة حفرت في ذاكرتي إلى الأبد، ليلة عشت فيها فرحة الفوز ومشاعر الفخر والاعتزاز. ليلة لم تكن مجرد مباراة كرة قدم، بل كانت أسطورة خالدة في تاريخ الرياضة السعودية.