مجلس الشورى، صوت ناعم لا يُسمع




"البيت من غير صاحبه خراب"... هذا المثل الشعبي الجميل يطول أحداثًا كثيرة في شتى مناحي الحياة، ويطول أيضًا صفة التأثير التي تحيط بكثير من الأشياء من حولنا، لتجعل وجودها أو غيابها علامة فارقة.. ولعل أهم ما يطول هذا المثل مجلس الشورى، الذي يُعد بلا أدنى شك ركنًا مهمًا من أركان الدولة، ولكن يبدو أنه غير موجود فعليًا بسبب عدم فاعليته على أرض الواقع، كي يحقق الغرض المرجو منه.
فقد كان في عصور المسلمين أنظمة مؤسية يُحسد عليها المسلمون، وكانوا يحتلون بها صدارة الأنظمة السياسية في العالم أجمع، وكان مجلس الشورى من أهم هذه الأنظمة، وكان له دور فعال إلى أبعد حد في إدارة السلطة العليا للدولة.
وما إن تولى الخلفاء المسلمون الأوائل الخلافة حتى وضعوا نظامًا عامًا للدولة، يقوم على اختيار كبار الصحابة ممن عرفوا بالتقوى، واشتهروا بالعدل، وذاع صيتهم بالأمانة، ليكونوا نواة في تكوين مجلس شورى يمثل الرأي العام الإسلامي بكل تياراته ومذاهبه.
وكانوا في كل ما ألمّ بالمسلمين من الخطوب، أو خاضوه من الغزوات والمعارك، يتشاورون في كل خطوة، وكانوا يحتكمون في جميع أمورهم إلى أحكام الشرع الإسلامي، الذي هو فوق الجميع، فلا أحد فوقه ولا يعصى.
ولقد حقق مجلس الشورى نجاحات غير مسبوقة في تاريخ الدولة الإسلامية، فقد كان أداة فعالة للحكم رشيد، وللشورى الحقيقية، التي ينصرف على أساسها الحكم الجائر.
ولاشك أن الديمقراطية المزعومة إلا نوع محدث من نظام الشورى الإسلامي، ولكنها لم تحقق في أي دولة من الدول ما حققه مجلس الشورى في الدولة الإسلامية، لأنها تفتقر إلى الصفة الأساسية التي هي أساس حكم الإسلام، وهي حكم الشرع الذي لا يمكن لأي مخلوق أن يتدخل فيه أو يعارضه.
وقد كان نظام الشورى مطبقًا في صدر الإسلام على الوجه الأكمل لاجتماع أسباب توفيره وتأمينه،ولم يزل من مقومات الدولة الإسلامية ومبادئها.
ولم يخف أمر تطبيق نظام الشورى إلا حينما ضعف جانب التدين وظهرت فيه الضلالات والبدع، ودخلت في الإسلام أمور ليست منه.
وفي رأيي فإن وجود هذا المجلس مهم جدًا وضروري حتى يكون صوت المجتمع كله مسموعًا لدى القيادة العليا للدولة، فكل منا له رأي وفكر وتطلعات يريد أن يعبر عنها بمنتهى الحرية والشفافية، وهذا متاح في هذا المجلس فقط.
وبالتالي فإعادة تكوين هذا المجلس لما كان عليه من قوة ونفوذ وتأثير يُعد ضرورة قصوى، حتى يمكن أن يُسمع صوت الشعب فعلًا، فيُحقق الغرض من وجوده، فهل نلقى آذانًا صاغية أم سيظل الأمر على ما هو عليه من ضعف وهوان؟