محمد ممدوح.. مكاشفات حول جسد السينما وصرخات المنفي




لقد حفرت نظرات محمد ممدوح الكثيفة الكثير من الصور النمطية في عالمنا السينمائي، ليصنع بذلك تجربة بصرية آسرة تمنحنا مساحة هائلة للتأمل والتفكير، إذ يملك حضوراً طاغياً يجعلك لا تملك إلا الاندماج مع أدواره المتنوعة، هذه القدرة الفذة التي أتاحت له أن يجسد شخصيات متناقضة ببراعة لافتة، من مهندس إرهابي في فيلم "الممر"، إلى شاب صعيدي ساذج في "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، إلى جندي يقاتل من أجل وطنه في "المصلحة"، وصولًا للبريء المتهم زورًا في "ليل خارجي".

ولد محمد ممدوح عام 1984، في محافظة سوهاج بصعيد مصر، انضم إلى فرقة مسرح كلية التجارة جامعة عين شمس، وعمل كمساعد مخرج في العديد من الأفلام القصيرة قبل أن يقف أمام الكاميرا للمرة الأولى عام 2008 في فيلم "عصافير النيل".

ويعد ممدوح من الممثلين القلائل الذين لم ينطلقوا من الأدوار الشكلية أو التجارية، وإنما حفر طريقه مستندًا إلى موهبته الحقيقية وقدرته على التقمص الدرامي، الأمر الذي أهله لأن يحصل على العديد من الجوائز والتكريمات، منها جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن دوره في فيلم "ليل خارجي"، وجائزة أفضل ممثل مساعد في مهرجان جمعية الفيلم عن دوره في فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية".

صراعات جسد السينما
يحكي محمد ممدوح عن الصراع الذي يعتمل بداخله بين واقع جسده، وتوقه إلى تجسيد شخصيات مختلفة على الشاشة، وكأنه يقف عند تقاطع طرق جسدي، متأرجحًا بين جمود التمثال ورونق الحركة، بين صلابة الجبل ومرونة الريح، في محاولة منه لتجاوز القالب الجسدي المفروض عليه.

ويقول في إحدى المقابلات: "أحارب جسدي كي أكون قادراً على القيام بما أريده أمام الكاميرا، لهذا أمارس تمارين رياضية تساعدني على مرونته، وأتجنب الأكل غير الصحي الذي يجعلني أشعر بالخمول".

صرخات المنفى
يواجه محمد ممدوح صراعًا آخر، يتمثل في شعوره الدائم بالغربة والانفصال عن الآخرين، وكأنه غريب دائمًا، يبحث عن وطنه الحقيقي بين كواليس السينما وصالات العرض.

يقول ممدوح، في حديث لصحيفة "المصري اليوم": "أشعر أنني منفي في هذا العالم، منفي في جلدي، منفي في قريتي، منفي في نجاحي، منفي في فشلي.. لا أعرف أين وطني الحقيقي، أو ربما لا يوجد وطن لي أصلاً".

في النهاية
محمد ممدوح ممثل استثنائي، يحمل بداخله قدرًا هائلاً من الصراعات والأسئلة التي يبحث عن إجاباتها في عالم السينما، إنه رحالة يعشق التجوال بين الأدوار، منفي يبحث عن وطنه، ومبدع يصارع جسد السينما ليصنع منه تحفة فنية.