هل تتصور أن المشروع الأمني العسكري لدولة غربية يكون خارج حدودها السياسية؟ هل تتصور أن تكون هناك منشأة أمنية أميركية في داخل إسرائيل؟ ولكن هذا ما حدث بالفعل في إسرائيل، في مشروع "محور فيلادلفيا" السرّي والمثير للجدل، الأميركي-الإسرائيلي، الذي يمثل إحدى أهم وأخطر الصفقات الأمنية والعسكرية السرّية بين الدولتين، هذا المشروع الذي يقع بين رفح وخان يونس جنوب قطاع غزة، والذي ظهر تدريجيًّا إلى السطح مؤخرًّا، ليكون شاهدا على سياسة إسرائيل في مخاطبة مخاوفها الأمنية، واعتمادها بصورة شبه كلية على الخارج، الأمر الذي يعد بمثابة شهادة على فشل السياسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية نفسها.
يقع مشروع "محور فيلادلفيا" على حدود قطاع غزة ومصر، وينفذه الجيش الأميركي، بتكلفة 270 مليون دولار، إذ يضم سياجًا حدوديًّا متطوّرًا، وأجهزة استشعار تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وغرف عمليات للتحكّم ومركزًا للقيادة، ويُعرف أيضًا باسم "سياج فيلادلفيا"، وتم إنشاؤه لمنع وصول الفلسطينيين إلى الأراضي الإسرائيلية، ويستخدم أحدث التقنيات في المراقبة والمراقبة.
وتبلغ مساحة المشروع 14 كم مربعًا، ويُدار من قبل شركة أميركية خاصة، طورت نظامًا متطوّرًا لمراقبة الحدود، وهو مزوّد بحاجز تحت الأرض مجهّز بأجهزة استشعار عالية الحساسية، وكاميرات حرارية تعمل على مدار الساعة، وأبراج مراقبة، وطائرات بدون طيّار، ومركز قيادة متطوّر.
يعاني الكيان الصهيوني من مشكلة أمنية خطيرة تتمثل في خطر الأنفاق على حدود غزة، وهي خطر يهدد مستوطنات غلاف غزة، وقد ظهر هذا الخطر أثناء حرب غزة الأخيرة، وبعد الحرب الأخيرة على غزة، بدأت إسرائيل بالتنسيق مع الجانب الأميركي في تنفيذ مشروع "محور فيلادلفيا" الأمني، الذي يشرف عليه الجيش الأميركي.
تستخدم حركة حماس الأنفاق لعبور الحدود والهجوم على إسرائيل، وقد تسببت هذه الأنفاق في مقتل وإصابة عدد من الجنود الإسرائيليين.
تخشى إسرائيل من أن يتمكن الفلسطينيون من عبور الحدود والهجوم على المدنيين الإسرائيليين أو سرقة الأراضي.
يقع مشروع "محور فيلادلفيا" بالقرب من مستوطنات غلاف غزة، ويهدف إلى حماية هذه المستوطنات من الهجمات.
التعاون الأمني بين إسرائيل وأميركا
تعمل إسرائيل والولايات المتحدة معًا منذ عقود، وقد وقعتا عددًا من الاتفاقيات الأمنية، بما في ذلك تلك المتعلقة بمكافحة الإرهاب.
يعتبر مشروع "محور فيلادلفيا" أحد الأمثلة على هذا التعاون، وهو يُظهر التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، كما يُظهر أيضًا رغبة إسرائيل في الاعتماد على الولايات المتحدة في توفير الأمن.
وتتطلع إسرائيل إلى أن يساعدها المشروع في تحسين أمنها، كما تعتقد أن المشروع سيساهم في جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة.
يعتبر مشروع "محور فيلادلفيا" مهمًّا لإسرائيل لأسباب عديدة، فهو يوفر لها:
إلى جانب ذلك، فإنّ المشروع يعدّ جزءًا من استراتيجية إسرائيل الأوسع لتعزيز أمنها، والتي تشمل أيضًا بناء جدار على طول الحدود مع الضفة الغربية، ونشر قوات إضافية على الحدود مع سوريا ولبنان.
وسيكون لهذا المشروع تأثير كبير على أمن إسرائيل، حيث سيساعد على منع الهجمات الإرهابية وإنقاذ الأرواح.
انتقادات المشروع
لم يخلُ المشروع من الانتقادات، حيث انتقده الفلسطينيون وبعض الجماعات الحقوقية، ويقول منتقدو المشروع ما يلي:
ينتهك المشروع القانون الدولي، إذ يُعدّ بناء جدار على أرض محتلة غير قانوني.
المشروع يضرّ بالاقتصاد الفلسطيني، إذ يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم وممتلكاتهم.
المشروع يُعرّض المدنيين الفلسطينيين للخطر، إذ يحدُّ من حركتهم ويجعلهم أهدافًا سهلة للقوات الإسرائيلية.
على الرغم من هذه الانتقادات، يرى الكثيرون في إسرائيل أن المشروع ضروري لأمن البلاد.
ويجادل مؤيدو المشروع بأنّه ضروري لمنع الهجمات الإرهابية وإنقاذ الأرواح، كما يجادلون أيضًا بأنّ المشروع لا ينتهك القانون الدولي، وأنّه لا يضرّ بالاقتصاد الفلسطيني، وأنه لا يُعرّض المدنيين الفلسطينيين للخطر.
خلاصة القول إنّ مشروع "محور فيلادلفيا" مشروع مثير للجدل، له مزاياه وعيوبه، ومن المرجح أن يستمر هذا المشروع في ظل تلك الانتقادات.
دلالات المشروع
يُعدّ مشروع "محور فيلادلفيا" مظهرًا من مظاهر التحالف الأمني القوي بين إسرائيل والولايات المتحدة، حيث تتعاون الدولتان بصورة وثيقة في القضايا الأمنية منذ عقود.
ويعتبر المشروع أيضًا بمثابة تذكير بالتهديدات الأمنية التي تواجهها إسرائيل، حيث تعتمد إسرائيل على الدعم الأميركي في هذا الصدد.
علاوة على ذلك، يُسلّط المشروع الضوء على الجهود التي تبذلها إسرائيل لتعزيز أمنها، ويشمل ذلك اتخاذ تدابير جدلية مثل بناء الجدران ونشر قوات إضافية على حدودها.
الدروس المستفادة
هناك عدد من الدروس التي يمكن تعلمها من مشروع "محور فيلادلفيا"، ومن بينها:
أهمية التعاون الأمني، حيث يُظهر المشروع كيف يمكن للدول أن تعمل معًا لتوفير الأمن.
ضرورة موازنة الاعتبارات الأمنية مع الاحتياجات الإنسانية.
ويرى الكثيرون في إسرائيل والولايات المتحدة أن المشروع ضروري لأمن إسرائيل.
وفي النهاية، فإنّ مشروع "محور فيلادلفيا" هو تذكير بتعقيدات التحديات الأمنية التي تواجه إسرائيل والشرق الأوسط.