مصطفى شلبي.. رحلة شاعر من مقهى الحقيقي إلى العالمية




في إحدى ليالي حي الحسين العتيق، بين طاولات مقهى "الحقيقي"، كان يجلس شاب نحيل القامة، بوجه يكسوه حزن خفيف، وعينين لامعتين بنور الشعر، هو مصطفى شلبي، الشاعر الذي أبحر من مقهى شعبي إلى العالمية.

ولد شلبي في قرية صغيرة بالصعيد، وتفتحت موهبته الشعرية مبكرًا، فكان يكتب القصائد وهو لم يتجاوز العاشرة، لكن القدر فرض عليه أن يترك قريته ويسافر إلى القاهرة بحثًا عن فرصة أفضل.


مقهى "الحقيقي".. نقطة البداية

في مقهى "الحقيقي" وجد شلبي ضالته، حيث التقى بكبار الشعراء والكتاب، مثل صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي، وتأثر بشعرهم، وأخذ يكتب قصائده بجرأة أكثر.

كان مقهى "الحقيقي" بالنسبة لشلبي بمثابة مدرسة أساتذتها الرواد الكبار، الذين علموه أصول الشعر واللغة، وفتحوا له أبواب الإبداع.


رحلة إلى العالمية

بفضل موهبته الشعرية وتشجيع أصدقائه، بدأ شلبي في نشر قصائده في المجلات الأدبية، ثم أصدر أول ديوان له entitled "على شرفة الدنيا". لم يحظ الديوان بشهرة كبيرة في البداية، لكنه لفت نظر الناقد الكبير جابر عصفور، الذي كتب عنه مقالاً أشاد فيه بشعره.

بعد ذلك، بدأت شهرة شلبي تزداد، حتى وصل إلى العالمية، فترجمت قصائده إلى العديد من اللغات، وحصل على العديد من الجوائز الأدبية المرموقة، مثل جائزة "سلطان العويس" وجائزة "أبو القاسم الشابي".


رقة الإحساس وعمق الفكر

يتميز شعر شلبي برقة الإحساس، وعمق الفكر، كما يتناول فيه هموم الإنسان وقضاياه الوجودية، ولكن بأسلوب بسيط وسلس، يجعله قريبًا من القارئ.

في قصيدته الشهيرة "حبيبتي"، يقول شلبي:

  • "أحبك.. كما لم يحبك أحد من قبل"
  • "أحبك.. بكل ما في أعماقي من ظما وعطش"
  • "أحبك.. مثلما يحب العطشان الماء"

وفي قصيدته "موت شجرة"، يتساءل شلبي عن مصير الإنسان بعد الموت:

  • "أين ذهبت يا شجرة؟"
  • "أين ذهبت يا من كنت تظلليني بحنان؟"
  • "أين ذهبت يا من كنت تملأين قلبي بالفرح؟"

دعوة للتأمل والتفكير

تدعو قصائد شلبي القارئ إلى التأمل والتفكير، وتجعله يتساءل عن معنى الحياة والوجود، وتذكره بأن الموت هو مصيرنا جميعًا.

في قصيدته "يا صديقي"، يقول شلبي:

  • "يا صديقي.. نحن عابرون في هذه الحياة"
  • "يا صديقي.. سوف نموت جميعًا"
  • "يا صديقي.. ماذا بعد الموت؟"

إرث خالد

ترك مصطفى شلبي وراءه إرثًا شعريًا خالدًا، سيبقى يقرأه ويستمتع به الأجيال القادمة. وقد وصف النقاد شعره بأنه "نعمة" و "متعة" و "دواء للروح".

رحل شلبي عن عالمنا في عام 2018، تاركًا خلفه فراغًا كبيرًا في الساحة الأدبية العربية، لكن قصائده ستظل خالدة، تذكرنا بهذا الشاعر المبدع الذي أبحر من مقهى "الحقيقي" إلى العالمية.