"أقبل العيد أقبل العيد..."، هكذا كانت جدتي رحمها الله تنشد كلما اقترب عيد الفطر السعيد، فكان وجهها يشرق بنور لا يوصف، ويغمر قلبها الفرح والسرور، وكأنما عيد الفطر هو عيدها الخاص الذي ينعش قلبها ويطرب روحها، وكنا جميعاً ننتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، إذ كان مناسبة عظيمة للالتقاء والاحتفال، وكان مصلى العيد هو القلب النابض لهذه المناسبة، حيث كان أفراد الأسرة يتجهون إليه صبيحة العيد، وكنا نصحو مبكرين ونرتدي أجمل الملابس، ونصطحب معنا زجاجة عطر نقية، وننطلق إلى المصلى الذي كان يقع في ساحة واسعة خارج المدينة.
عند وصولنا إلى المصلى، كانت الأصوات تتداخل والأجساد تتلاحم، وكأننا نسيج واحد ملتحم، ورغم الحشود الكثيفة، إلا أننا لم نشعر بالضيق أو الازدحام، بل كان الجميع يندمج في أجواء الفرح والابتهاج، ونبدأ بالصلاة التي كانت بمثابة ذروة العيد، وكنت أنظر إلى عيون المصلين، فأراها تلمع بالفرحة والخشوع، وكان صوت الإمام يرن في المكان ويطرق قلوب الجميع، وبعد انتهاء الصلاة تبدأ مرحلة التهاني والمعايدات، فيتبادل الناس العناق والقبلات، داعين الله أن يتقبل صيامهم وقيامهم، وأن يرزقهم المزيد من الأعوام في طاعته وعيده.
بعد ذلك، ينتقل الجميع إلى الساحة المجاورة للمصلى، حيث تقام ألعاب شعبية ممتعة، مثل لعبة "شد الحبل" و"التحطيب"، وكان الرجال يتنافسون في هذه الألعاب بكل قوة ورجولة، وتحظى بتشجيع ودعم الجمهور، أما الأطفال، فكانوا يلعبون بالدراجات الهوائية ويستمتعون بوقتهم، وكنا جميعاً نشعر بالبهجة والسرور، ونستمتع بكل لحظة من هذا العيد المبارك.
ومع غروب الشمس، نعود إلى منازلنا ونحن نحمل معنا ذكرى جميلة لهذا العيد، ورائحة العطر التي لطالما ارتبطت في داخلي بعيد الفطر، ونبدأ في تحضير وليمة العيد التي كانت تتكون من أشهى الأطباق، مثل الكعك والمعمول والغريبة، وكانت النساء يتفنن في صنع هذه الحلويات، وكانت رائحتها الزكية تفوح في المنزل، وتزيد من أجواء الفرح والاحتفال، وكنا نجتمع حول المائدة ونتناول الطعام، وندعو الله أن يديم علينا هذه الأيام المباركة وأن يرزقنا الخير في الدنيا والآخرة.
لقد تركت زيارة مصلى العيد في نفسي أثراً طيباً، وأصبحت ذكرى جميلة أستعيدها كل عام، وأردد مع جدتي رحمها الله، "أقبل العيد أقبل العيد..."، فهذا العيد هو فرحة لكل المسلمين، ذكرى لانتصار الخير على الشر، وتذكير بخضوعنا لله الواحد الأحد، وهو دعوة للبهجة والسرور والمودة والألفة، أسأل الله أن يرزقنا المزيد من الأعياد المباركة، وأن يجعلنا من عتقائه من النار، إنه سميع مجيب.