مصلى العيد.. ماضٍ يروي حاضرًا ويصنع مستقبلًا




يا طال انتظارنا ليوم الفطر، وكيف لا ننتظره؟ وهو يوم العيد الذي كنا نستعد له بشكل خاص، من شراء الملابس الجديدة، إلى تحضير الحلويات، وتبادل الزيارات مع الأهل والأصدقاء. أما أهم ما في يوم العيد، ولعلها من أجمل ذكرياته، هو صلاة العيد في المصلى.
أتذكر جيدًا أن جدي -رحمه الله- كان يوقظنا لصلاة العيد قبل الفجر، فنستعد على عجل وننطلق إلى المصلى، الذي كان يبعد عن منزلنا حوالي كيلو متر، كنا نقطعه سيراً على الأقدام وعلى وقع تكبيرات العيد التي تملأ المكان.
كان المصلى عبارة عن ساحة كبيرة مفروشة بالسجاد، تحيط بها أشجار النخيل العالية، وكان يتسع لعدد كبير من المصلين. وكان من أجمل ما في الأمر، هو رؤية الناس وهم يتوافدون إلى المصلى من كل حدب وصوب، مرتدين أجمل ملابسهم، وعلى وجوههم علامات السعادة والفرح.
كان الإمام يصعد المنبر ويلقي خطبة العيد، التي كانت عادةً طويلة ومليئة بالمواعظ والتذكير، لكننا الأطفال كنا لا نستمع إليها كثيرًا، بل كنا منشغلين بالتسابق على من سيصلي أولاً، أو من سيصافح الإمام أولاً بعد الصلاة.
وبعد الصلاة، كنا نعود إلى بيوتنا فرحين ومبتهجين، ونبدأ في تبادل الزيارات مع الأهل والأقارب، وكان من أجمل ما في يوم العيد، هو زيارة أجدادنا وآبائنا وأمهاتنا المتوفين، والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة.
لم يكن مصلى العيد مجرد مكان للصلاة، بل كان رمزًا للتواصل الاجتماعي والتقارب بين الناس، وكان فرصة لمد جسور المحبة والألفة بين الجميع، ومنصةً نتعلم فيها الكثير عن ديننا وتقاليدنا.
وها نحن اليوم نواجه تحديًا جديدًا، يتمثل في جائحة كورونا التي حرمتنا من إقامة صلاة العيد في المصلى، لكننا لن نستسلم لهذا التحدي، وسنحتفل بعيد الفطر بطريقتنا الخاصة، وسنستذكر ذكرياتنا الجميلة في مصلى العيد، وننتظر بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي نعود فيه إلى مصلى العيد من جديد.