في زمن الحرب والقصف والدمار، حينما تعجز الكلمات عن وصف الوحشية والألم، تبرز حكايات الأبطال، الذين حولوا جراحهم ومعاناتهم إلى إنجازات وإلهام، ومن بين تلك الحكايات، حكاية "منتخب سوريا لكرة القدم"، الذي صنع ملحمة كروية خالدة تحت ركام الحرب.
بداية الرحلةفي خضم ربيع عام 2011، اندلعت شرارة الحرب في سوريا، فحولت البلد إلى ساحة دمار وخراب، ولم يخلُ أي جزء من البلاد من أزيز الرصاص وقصف المتفجرات، ووسط تلك الظروف المأساوية، أبى السوريون أن يستسلموا للظلام، وأن يموت حلمهم وحلم أطفالهم.
في عام 2016، وعلى الرغم من اشتعال الحرب في أرجاء البلاد، قرر اتحاد كرة القدم السوري تشكيل منتخب وطني لكرة القدم، ضم لاعبين من مختلف أنحاء سوريا، من حلب المدمرة إلى دمشق المحاصرة، اجتمعوا جميعًا تحت راية واحدة، راية الوطن.
التحديات والانتصاراتلم تكن رحلة المنتخب السوري سهلة على الإطلاق، فقد تدربوا في ظروف قاسية، على ملاعب مدمرة أو في الشوارع المليئة بالحطام، وواجهوا صعوبات جمة في الانتقال والسفر، حيث كان عليهم الحصول على تصاريح خاصة لعبور نقاط التفتيش العسكرية.
إلا أن التحديات زادت من عزيمة اللاعبين، فأثبتوا أن قوة الإرادة والإصرار قادرة على قهر كل الظروف، وحققوا إنجازات تاريخية، حيث تأهلوا إلى نهائيات كأس آسيا عام 2019 للمرة الأولى في تاريخهم، كما احتلوا المركز الرابع في بطولة غرب آسيا عام 2019.
قصص وراء الأسماءوراء كل اسم في المنتخب السوري قصة إنسانية مؤثرة، فحارس المرمى إبراهيم عالمة، الذي فقد منزله في حلب، وواصل تدريباته تحت القصف، والمهاجم عمر السومة، الذي عانى من جروح في رأسه بسبب الشظايا، ولم يمنعه ذلك من ملاحقة حلمه وإحراز الأهداف.
ومن بين اللاعبين أيضًا، محمد عثمان، الذي عاد إلى سوريا من ألمانيا للانضمام إلى المنتخب، على الرغم من معرفته بالمخاطر التي تنتظره، كما أن قصة المدرب الألماني بيرند شتانغه، الذي تحدى خوفه وقرر تدريب المنتخب السوري في خضم الحرب، هي قصة أخرى للإلهام.
أكثر من مجرد كرة القدملم يكن منتخب سوريا لكرة القدم مجرد مجموعة من اللاعبين، بل كانوا سفراء للأمل والتحدي، وأيقونة للصمود أمام الظروف القاهرة، وقد حملوا رسالة إلى العالم أجمع مفادها أن الحياة يمكن أن تستمر، حتى في أحلك الأوقات.
وإلى جانب انتصاراتهم التي حققوها في المستطيل الأخضر، لعب المنتخب السوري دورًا كبيرًا في لم شمل الشعب السوري، ومنحهم لحظات من الفرح والسعادة، في وقت كانوا بأمس الحاجة إليها.
وبينما يستمر المنتخب السوري في حصد الإنجازات، تظل قصته ملهمة لجميع السوريين وللعالم بأسره، ففي خضم المعاناة والدمار، يمكن أن تنبعث بارقة أمل وتحدي، ويكون الرياضيون هم من يحملون هذا الأمل ويحلقون به عاليًا في سماء الانتصارات.
حقًا، إن "منتخب سوريا" هو بطل تحت القصف، قصة تحكي عن صمود الإنسان وقدرته على تحويل الألم إلى إنجاز، وتحدي الظروف القاهرة بإرادة صنعت ملحمة كروية خالدة.