سبحانه الذي قدر مواقيت النجوم، وجعلها علامات في السماء الدنيا ليهتدي بها عبر الزمن سكان الأرض. ومن بين هذه النجوم، يبرز نجم سهيل الذي لطالما كان محط أنظار الشعراء والفلاسفة والملاحين منذ آلاف السنين.
يقع نجم سهيل في كوكبة القاعدة (مجموعة النجوم)، وهو نجم عملاق من نوع فوق عملاق أزرق ذو لمعان شديد، وبذلك فهو من أشد النجوم سطوعًا في سماء الليل. ومن اللافت للنظر أن نجم سهيل يظهر وكأنه "معلق" في الأفق بسبب موقعه المميز جنوب خط الاستواء السماوي، حيث لا يمكن رؤيته من نصف الكرة الشمالي إلا خلال بعض الأوقات من السنة.
بفضل موقعه البارز في السماء الجنوبية، كان نجم سهيل بمثابة منارة للملاحين عبر التاريخ. فقد استخدمه الرحالة العرب والفينيقيون لاحقًا للإبحار عبر المحيطات، حيث كان بمثابة قطب إرشاد لهم لمعرفة اتجاه القطب الجنوبي. ولعل أشهر من استخدم نجم سهيل هم البحارة البرتغاليون في القرن الخامس عشر الذين استعانوا به لتحديد موقع رأس الرجاء الصالح، وهو ما مهد الطريق للبحارة الأوروبيين للوصول إلى الهند والبحر الأحمر.
لم يكن نجم سهيل مجرد نجم إرشادي، بل كان أيضًا مصدرًا للإلهام للأدباء والشعراء على مر العصور. فلقد تغنى به الشعراء العرب في أشعارهم، واصفين إياه بأنه "نجم الحب" و"نجم العشاق"، حيث ارتبط ظهوره بالرومانسية والمشاعر الجياشة. أما الفلاسفة فقد تأملوا في لمعانه وطبيعته اللامتناهية، معتبرينه رمزًا للحكمة والخلود.
في كل عام، يعود نجم سهيل ليظهر في سماء نصف الكرة الجنوبي خلال شهر مايو، معلنًا بذلك عن بداية موسم الشتاء. وفي هذا الوقت من العام، يتألق نجم سهيل في منتصف السماء، وكأنه ماسة معلقة في ظلام الليل. ويُعتقد أن ظهور نجم سهيل يحمل معه الخير والبركة، كما أنه بمثابة بشارة بانتهاء موسم الحر الشديد.
لقد شهد نجم سهيل صعودًا وسقوطًا لحضارات كثيرة، وظل شاهدًا على الأحداث الجسام واللحظات التاريخية عبر الزمن. ومن خلال موقعه المتميز في السماء الجنوبية، سيواصل نجم سهيل إرشاد الملاحين وإلهام الشعراء والفلاسفة في المستقبل. إنه نجم الماضي والحاضر والمستقبل، رمز للثبات والتألق الأبدي في الكون الفسيح.
عندما ترى نجم سهيل الليلة، تذكر أنه ليس مجرد نجم؛ ولكنه تاريخ وحضارة وعالم من القصص التي تُروى عبر العصور. إنه بوصلة الملاحين، وملهمة الشعراء، وعلامة الخلود بالنسبة للفلاسفة. إنه نجم سهيل، القادم من الماضي البعيد ليحيكم ويبقى معك في رحلة الحياة.