في عالم يتشكل من الكلمات، تبرز شخصيات استثنائية، نحتت اسمها في سجل التاريخ بحروف من نور. منهم من عرف بالكلمة الصادقة، ومنهم من برع في فنون البيان، ومنهم من ترك بصمة على جبين الإنسانية. وفي هذا المقال، نسلط الضوء على أحد أعمدة الفكر العربي، وأحد أبرز رموز الحركة الأدبية والسياسية المعاصرة، الدكتور يحيى القزاز.
وُلد الدكتور يحيى القزاز في قرية البراهمة بمحافظة قنا في الرابع من مايو عام 1956. نشأ في أسرة متواضعة، إلا أن شغفه بالعلم والمعرفة دفعاه إلى التميز والتفوق. التحق بجامعة حلوان، حيث درس الجيولوجيا، وحصل على شهادة الدكتوراه في هذا المجال.
لم تقتصر حياة الدكتور القزاز على العمل الأكاديمي فحسب، بل امتدت إلى مجالات أخرى ترك فيها بصمات واضحة. فعلى الصعيد الأدبي، نشر عدداً من الكتب والمقالات التي تناول فيها قضايا سياسية واجتماعية، واشتهر بأسلوبه الساخر اللاذع الذي لا يخشى فيه أحداً.
كما كان للدكتور القزاز حضور بارز في الحركة السياسية المصرية، حيث كان عضواً في حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي. عُرف بمواقفه الجريئة المناهضة للفساد والاستبداد، ولم يتردد عن قول الحقيقة مهما كانت مؤلمة. وقد تعرض للاعتقال والملاحقة بسبب نشاطه السياسي، إلا أنه لم يتراجع عن مبادئه.
كان الدكتور يحيى القزاز من أشد المنتقدين لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، واتهمه مراراً بالفساد والديكتاتورية. وقد دعا إلى إسقاط هذا النظام واستعادة الديمقراطية في مصر.
وعلى الرغم من معارضته الشديدة لنظام السيسي، إلا أن الدكتور القزاز لم ينتم إلى أي تيار سياسي معارض. فقد كان يرى أن المعارضة الحقيقية لا ترتبط بحزب أو جماعة معينة، بل هي موقف وطني يلتزم به كل مواطن غيور على وطنه.
اشتهر الدكتور القزاز بخفة ظله وروحه المرحة، فكان دائماً ما يضفي جواً من البهجة على من حوله. كما كان محبوباً من قبل طلابه وأصدقائه، الذين أشادوا باخلاصه وتواضعه.
وفي السادس من يوليو عام 2023، رحل الدكتور يحيى القزاز عن عالمنا، تاركاً وراءه إرثاً فكرياً وأدبياً ثرياً. وبمناسبة مرور عام على رحيله، نستذكر هذا العملاق الذي أفنى حياته في سبيل الوطن والكلمة الحرة.
يحيى القزاز، عملاق الكلمة الذي صرخ في وجه الظلم، ولم يخشَ قول الحقيقة مهما كانت مؤلمة. ستظل كلماته تُلهم الأجيال القادمة، وستظل روحه الثورية منارةً لكل من يحلم بوطن حر وعادل.