في صرح مترامي الأطراف، بني من حجارة التاريخ واللغة، في زاوية معتمة، يقبع كاتب مصري، نذرت حياته لمعركة بلا هوادة مع النخبوية الفكرية. إنه يوسف زيدان، الذي اختار أن يجعل من اسمه سيفًا حادًا يشهده على مستنقع التعالي الفكري.
ولد زيدان في بيئة ريفية بسيطة، ودرس الفلسفة واللغة الإنجليزية، لكن روحه الثائرة وجدت ضالتها في الأدب. ومع روايته الأولى "عزازيل" عام 1998، انفجرت موهبته في وجه الواقع الأدبي الراكد، كقنبلة مفجرة. كان عمله صرخة مدوية في وجه النخبة المتعالية على الجماهير، والمحتكرة للمعرفة والنقد الأدبي.
عرف زيدان منذ البداية أن معركته ليست سهلة. فالنخبة الأدبية، بأحيائها المقدسة وطقوسها المعقدة، شكلت جدارًا حصينًا يحمي سلطتها الفكرية. إلا أن زيدان لم يتراجع، وجعل من السخرية والتهكم أسلحته المفضلة، فهاجم النقاد الذين يتخذون من الغموض والتعقيد ستارًا لقصور أفكارهم وافتقارهم للإبداع.
كان زيدان يدرك أن معارضة النخبة وحدها لن تؤدي إلى تغيير حقيقي، لذا قرر توسيع دائرة معاركه لتشمل المؤسسات الثقافية والأكاديمية، التي قيدت الفكر والإبداع. فطالب بإصلاح التعليم الجامعي، وهاجم سيطرة الدولة على الثقافة، ورفض فكرة النجم الأدبي الواحد التي خلقتها النخبة، معتبراً أنها تحجب الضوء عن المواهب الأصيلة.
لم يسلم زيدان من الاتهامات. اتُهم بالشعبوية والسطحية، واعتبره البعض منبوذًا من النخبة لم يرقَ إلى مستواها الفكري. إلا أنه ظل صامدًا في موقفه، مؤمنًا بأن الفن يجب أن يكون متاحًا للجميع، وأن النقد الأدبي يجب أن يكون موضوعيًا ومبنيًا على أسس عقلانية.
لم يكن مسار زيدان الأدبي خاليًا من المطبات. فقد اتهم بالتحريض على الكراهية الدينية بسبب روايته "عزازيل"، وأثار جدلاً واسعًا بسبب تصريحاته الجريئة حول الدين والتاريخ. لكنه رغم ذلك ظل متمسكًا بأفكاره، معتبرًا أن حرية التعبير هي حق مقدس يجب الدفاع عنه.
حصل زيدان على العديد من الجوائز والتقديرات الأدبية، منها جائزة البوكر العربية لعام 2009 عن روايته "عزازيل". إلا أن أهم إنجازاته، في نظره، هو توعية الجمهور العربي بالخطر الذي تمثله النخبوية الفكرية على الإبداع والحرية. إنه يرى أن معركة النخبوية مستمرة، لكنه متفائل بأن الجمهور سيظل دائمًا هو الحكم النهائي.
وفي نهاية المطاف، فإن يوسف زيدان هو أكثر من مجرد كاتب. إنه رمز للمقاومة الأدبية، الذي كرس حياته لمحاربة القهر الفكري الذي تعانيه الشعوب العربية. إنه جندي في جيش الإبداع والحرية، وسيظل اسمه محفورًا في تاريخ الأدب العربي كعدو للتعالي الفكري الطاغي.