في ظلال الليلة المباركة، ليلة القدر، حيث تنزل الملائكة والروح بالسلام، يقف شهر رمضان الكريم على أعتاب وداعنا، تاركًا في قلوبنا أثرًا لا يُمحى من الذكريات والمواقف.
18 رمضان، محطة فاصلة في رحلتنا الروحانية، حيث نودع أجمل أيام العبادات والتقرب إلى الله. إنه يوم الحزن والفرح معًا، حزن على فراق الشهر الكريم، وفرح بتحقيق العتق من النيران، بإذن الله.
في هذا اليوم المبارك، نتذكر اللحظات الروحانية التي أمضيناها في المحاريب وفي مجالس الذكر والتلاوة. نتذكر صيامنا وجوعنا وعطشنا، ونعرف أنها كانت تضحيات تقربنا إلى الله وتنال لنا رضاه.
نتذكر أيضًا لقاءاتنا مع الأحبة وعائلاتنا، التي كانت فرصة لتجديد الروابط وإضفاء المزيد من الدفء على الأيام. ومن لا يتذكر رائحة البخور الفواحة التي تصعد في البيوت والمساجد، وهي تبعث في النفس السكينة والخشوع؟
وإلى جانب كل ذلك، يبقى الدور المركزي لليلة القدر، وهي الليلة التي ينزل فيها القرآن الكريم، ليلة العبادة والتضرع والدعاء.
ونحن نقف على أعتابها، لا يسعنا إلا أن نستعد لها بأفضل ما استطعنا، بأن نكثر من الصلاة والدعاء والذكر وقراءة القرآن. ففيها فرصة لا تعوض لبلوغ العتق من النار والفوز برضا الله.
دعونا نجعلها ليلة فارقة في حياتنا، ليلة نجدد فيها العهد مع الله، ونسأله فيه العون والتوفيق والسداد. ولنجعلها أيضًا ليلة سلام ومحبة، نغفر فيها للناس أخطاءهم ونسامحهم على تقصيرهم.
ومع اقتراب وداع رمضان، يتسرب إلى قلوبنا حزن الفراق، لكننا نستقبله بقلب راضٍ مطمئن، بعد أن أدينا ما علينا وحاولنا جاهدين أن نستغل هذا الشهر الفضيل خير استغلال.
نودع رمضان، لكن ذكراه ستظل خالدة في قلوبنا، تذكرنا بأيام العبادة والتقرب إلى الله. ندعو الله تعالى أن يتقبل منا صالح الأعمال، وأن يجعلنا ممن فازوا بعفوه ورضاه في الدنيا والآخرة.
فمع كل دمعة حزن على الفراق، ثمة أمل يولد في قلوبنا، بأن يعود رمضان إلينا العام المقبل، وأن نكون قد استفدنا من دروسه وعظاته، وترجمناها إلى واقع حياتنا.
وداعًا أيها الشهر الكريم، ورحم الله من أحيا ليلك، وصام نهارك، وتقبل منك أعمالك. حتى نلقاك العام المقبل، نترقبك بقلوب حانية وعيون مشتاقة.